بعد 10 أشهر على اعتقاله.. دعوات للتحقيق في دور لبنان بتسليم عبد الرحمن القرضاوي للإمارات
وجّه فريق الدفاع القانوني عن الشاعر والناشط المصري-التركي عبد الرحمن القرضاوي، الخميس، شكوى رسمية إلى المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، طالباً فتح تحقيق في الدور الذي لعبته السلطات اللبنانية في تسليمه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يُحتجز منذ أكثر من عشرة أشهر دون توجيه اتهام وفق ما أوردته صحيفة "الغارديان".
وكان القرضاوي قد اعتُقل في لبنان في ديسمبر 2024، فور عودته من سوريا، حيث ذهب للاحتفال بسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وخلال وجوده هناك، نشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي انتقد فيه حكومات الإمارات ومصر والسعودية، وقال إنه يأمل أن تلقى المصير نفسه الذي لقيه نظام الأسد.
طلب إماراتي عبر هيئة أمنية إقليمية
استجابت السلطات اللبنانية، آنذاك تحت حكومة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، لطلب إماراتي باعتقاله، استند إلى اتهامات بنشر "أخبار كاذبة" و"إثارة القلق العام". ووزّعت الإمارات مذكرة توقيف بحقه عبر "مجلس وزراء الداخلية العرب"، وهي هيئة إقليمية تُعنى بالتعاون الأمني بين الدول العربية.
وبحسب "الغارديان"، سلّمت بيروت القرضاوي إلى الإمارات في 8 يناير، رغم أنه لم يكن مواطناً لا في الدولة الطالبة ولا في الدولة المسلِّمة. وجاء القرار رغم اعتراض محاميه ومنظمات حقوقية، من بينها منظمة العفو الدولية، التي حذّرت من احتمال تعرضه للتعذيب. وبرّرت الحكومة اللبنانية السابقة قرارها بوجود ضمانات من الإمارات باحترام حقوقه الإنسانية.
ظروف احتجاز ترقى إلى التعذيب
ووفقاً للصحيفة، "يقبع القرضاوي منذ أكثر من عشرة أشهر في عزلة تامة، دون تعرض لأشعة الشمس، في مكان لم يُكشف عنه. ولم يُمنح حتى اليوم حقّ الاتصال بمحامٍ، ولا وُجّهت إليه أي تهمة رسمية. ويؤكد فريق الدفاع أن هذه الظروف ترقى إلى التعذيب بموجب المعايير الدولية".
وقال رودني ديكسون، المستشار القانوني للقرضاوي: "لقد وافقت لبنان بسرعة على التسليم بناءً على وعود باحترام حقوق عبد الرحمن، لكن تلك الوعود تحطّمت تماماً". وأضاف أن "الحكومات قد تتغيّر، لكن الالتزامات لا تتبدّل. لبنان هو المسؤول عن إرساله، ويجب أن يبذل كل ما في وسعه لإعادته".
ردّ رسمي وتحذيرات أممية
من جهتها، أوضحت مصادر في رئاسة الحكومة اللبنانية أن عملية التسليم لم تتم في ظل الحكومة الحالية، وامتنعت عن تقديم أي تعليق إضافي. ولم ترد دولة الإمارات على طلب التعليق، لكنها سبق أن أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن احتجاز القرضاوي يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي مارس، أعرب عدد من المقرّرين الخاصين التابعين للأمم المتحدة عن قلقهم إزاء ظروف احتجازه، وقالوا: "مخاوفنا الأسوأ من أن يتعرض السيد القرضاوي لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حال تسليمه إلى الإمارات يبدو أنها تحققت".
قلق عائلي ونداء إنساني
ولم تتمكن عائلة القرضاوي من رؤيته سوى مرتين، ولمدة عشر دقائق في كل مرة منذ توقيفه. وقالت لصحيفة "الغارديان": "مضى ما يقارب العام منذ أن أُخذ عبد الرحمن منّا. إن فكرة وجوده وحيداً في زنزانة، بلا شمس ولا هواء نقي، ومن دون توجيه أي تهمة رسمية إليه، أمرٌ يمزّق القلب. لن نتوقف حتى يعود عبد الرحمن بأمان، ونراه مجدداً بيننا، يقرأ لنا إحدى قصائده".
وينتمي القرضاوي إلى عائلة ذات خلفية سياسية بارزة؛ إذ كان والده، يوسف القرضاوي، عالماً إسلامياً مرتبطاً بجماعة الإخوان المسلمين، وعاش في المنفى حتى وفاته. وكان عبد الرحمن نفسه من الداعمين النشطين لاحتجاجات الديمقراطية في مصر، وحُكم عليه غيابياً هناك بتهمة انتقاد القضاء.
كما اكتسب شهرة واسعة في العالم العربي عبر الإنترنت، وشارك في فعاليات سياسية عديدة. وكان من المؤيدين البارزين لحركة حماس، وأشاد بهجومها في 7 أكتوبر 2023 الذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص في إسرائيل، بل وخصّص قصيدة لزعيم الحركة السابق يحيى السنوار.
وترى منظمات حقوقية أن احتجازه يخلق سابقة خطيرة في المنطقة، تتيح لأي حكومة غير راضية عن رأي شخص ما أن تجلبه من آلاف الكيلومترات لسجنه. ويحذّر ديكسون: "إذا استطاعت الحكومات مطاردة منتقديها عبر الحدود وسجنهم، فلا أحد سيكون في مأمن. لهذا يجب على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التحرك الآن لوقف هذا السلوك، أو المخاطرة بإرساء سابقة تهدّدنا جميعاً".
Today