تصاعد العنف في الساحل السوري: تقارير توثّق انتهاكات جسيمة ودعوات للمحاسبة

وفي شهادة حصرية ليورونيوز، روت إحدى الناجيات من قرية قريبة من مناطق النزاع تفاصيل مروّعة، مؤكدة أن الأهالي يعيشون في حالة رعب دائم تحت تهديد فصائل مسلحة تابعة لتنظيمات متطرفة.
وقالت السيدة، التي فضّلت عدم كشف هويتها لأسباب أمنية: "لا توجد أم لديها ابن شاب إلا وتخشى خروجه من المنزل... هناك فتيات مفقودات، وأسرهن تعلن وفاتهنّ، لكن الحقيقة أنهن محتجزات كأسيرات".
كما وصفت الشاهدة حادثة مأساوية وقعت بالقرب من منزلها، حيث اختُطفت ثلاث شقيقات من إحدى العائلات، تعرضن للضرب المبرح قبل أن تُعاد اثنتان منهن، بينما أُعيدت الثالثة جثة هامدة وُضعت أمام باب منزلها. وأضافت أن طفلًا في العاشرة من عمره كان يسير مع ابنة خالته عندما صادف الاثنان ثلاث جثث مرمية على قارعة الطريق، في مشهد بات يتكرر يوميًا. كما أكدت مطالبتها المجتمعات الدولية لحماية ما تبقى من عائلات تعيش كوابيس القتل والشعور بانعدام الأمن.
وقد رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان في 31 مارس / آذار تصاعد العنف في الساحل السوري، موثقًا مقتل 22 مدنيًا، بينهم طفلان، في عمليات نفذها مسلحون مجهولون في محافظات طرطوس وحمص وحماة.
ووفقًا للمرصد، فإن بعض هذه الهجمات انطلقت من قواعد تابعة لجهات أمنية، وسط شعارات طائفية مباشرة وحركة نزوح متزايدة للسكان. كما أكد أن الجرائم طالت عائلات بأكملها وترافقت مع انتهاكات جسدية وحرق ممتلكات تعود للطائفة العلوية.
ويشير تقرير سابق ليورونيوز في 6 أبريل/ نيسان أنه وبعد مرور شهر على المجزرة المروعة في الساحل السوري في 7 مارس 2025، والتي أسفرت عن مئات الضحايا من المدنيين، لا يزال الغضب والحزن يسيطران على المجتمع السوري. وقد نفذتها فصائل غير منضبطة، حسب تصريحات الرئاسة السورية، ما أبرز خطورة استمرار خطاب الكراهية والتحريض الطائفي.
في هذا السياق، تصاعدت المطالبات للمفتي العام بإصدار فتوى تحرم قتل السوريين وتدعو إلى وقف الخطاب التحريضي الذي يمزق النسيج الاجتماعي. وقد لاقت هذه الدعوات دعمًا واسعًا من شخصيات سياسية ودينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالبوا بأن تكون أولى فتاوى دار الإفتاء هي حظر القتل والتحريض على العنف ودعوا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية عبر التدخل العاجل لحماية المدنيين ومنع تفاقم الاحتقان الطائفي.
إدانات دولية ودعوات للمحاسبة
من جهتها، أكدت منظمة العفو الدولية في تقرير اعد في 3 أبريل/ نيسان أن ميليشيات تابعة للحكومة السورية ارتكبت مجازر بحق المدنيين العلويين في مدينة بانياس والمناطق الساحلية المجاورة ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم أطفال ونساء، في عمليات قتل ممنهجة ذات طابع طائفي.
وبحسب المنظمة، فإن شهادات الناجين والصور الموثقة كشفت أن الضحايا استُهدفوا بعد سؤالهم عن انتمائهم الطائفي، في مشهد يعيد للأذهان أسوأ فصول العنف الطائفي في سوريا. كما أُجبرت العديد من العائلات على دفن أحبائها في قبور جماعية جماعي، ما عمّق جراحهم النفسية.
وفي هذا السياق، دعت العفو الدولية الحكومة السورية الجديدة إلى فتح تحقيق عاجل في هذه الانتهاكات باعتبارها جرائم حرب، مشددة على ضرورة تشكيل لجنة مستقلة بصلاحيات واسعة للوصول إلى الشهود والمقابر الجماعية وضمان حماية عائلات الضحايا. وحذّرت المنظمة من أن غياب العدالة قد يؤدي إلى إعادة إنتاج دوامة الفظائع، مؤكدة أن تحقيق العدالة والتعويض للضحايا شرط أساسي لإرساء سلام مستدام في سوريا.
تقارير توثّق الانتهاكات وسط غياب المساءلة
ووفقًا لأحدث تقارير لجنة الرصد والتوثيق التابعة لحركة التجديد الوطني، الصادر في 26 مارس/آذار 2025، فقد استمرت الانتهاكات الممنهجة ضد الطائفة العلوية بين 7 و26 مارس، متخذة أشكالًا متعددة مثل القتل الميداني، الاختطاف، التعذيب حتى الموت، والتهجير القسري.
ويوثّق التقرير تصاعد الجرائم في حمص وريفها، حماة، اللاذقية، طرطوس، ودمشق، محمّلًا مسؤولية هذه الانتهاكات لأجهزة الأمن والفصائل المسلحة التابعة للحكومة الانتقالية، وسط غياب تام للمساءلة.
كما يضع التقرير هذه التطورات في سياق أوسع من العنف الطائفي المتصاعد منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وأشار إلى أن هذا الصراع قد أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 2500 مدني علوي واختفاء أكثر من 20 ألفًا، في واحدة من أسوأ موجات العنف الطائفي التي شهدتها البلاد.
وعلى ضوء هذا الواقع، تعالت الأصوات لاتخاذ إجراءات عاجلة تمنع تفاقم الانتهاكات وتحمي المدنيين. ويشدد حقوقيون على ضرورة تحرك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لضمان المساءلة القانونية للجناة، باعتبار ذلك خطوة أساسية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومنع انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى.
Today