هل يُمكن استخدام القنب الطبي لتخفيف الألم المزمن؟ دراسة علمية تقيّم فعاليّته
اعتمدت دراسة علمية محكّمة نُشرت في مجلة Annals of Internal Medicine على مراجعة منهجية لـ25 تجربة سريرية عشوائية محكومة بالدواء الوهمي، شملت أكثر من 2300 بالغ يعانون من آلام مزمنة، بهدف تقييم الفائدة الفعلية والمخاطر المرتبطة بالمنتجات القائمة على القنب.
وركّزت الدراسة على الفروقات بين المنتجات التي تحتوي على نسب مرتفعة من مادة رباعي هيدروكانابينول (THC) وتلك التي تعتمد على مادة كانابيديول (CBD) فقط، لتقديم قراءة دقيقة لحدود فعاليتها العلاجية وانعكاساتها الصحية.
حدود الفعالية العلاجية
تُظهر نتائج الدراسة أن المنتجات القائمة على القنب لا تشكّل حلًا فعّالًا للألم المزمن، بل تمنح في أفضل الحالات تحسنًا محدودًا ومؤقتًا.
وبيّنت المراجعة المنهجية أن المنتجات التي تحتوي على نسب مرتفعة من مادة THC مقارنة بـCBD قد تؤدي إلى تخفيف بسيط في شدة الألم وتحسن طفيف في القدرة الوظيفية، ولا سيما لدى المرضى المصابين بآلام عصبية ناتجة عن اضطرابات أو تلف في الأعصاب.
وتُظهر نتائج الدراسة أن هذا التحسّن لم يدم طويلًا، ولم يُحدث تغييرًا جوهريًا في مسار الألم المزمن أو في نمط الحياة اليومية للمرضى، والانخفاض في شدة الألم لم يُترجم إلى تحسّن فعلي في القدرة على الحركة أو أداء الأنشطة المعتادة. وبذلك، تبقى الفائدة المحتملة أقل بكثير من الصورة الشائعة التي تُروَّج للقنب الطبي كخيار علاجي فعّال للألم المزمن.
في المقابل، أظهرت النتائج أن المنتجات التي تحتوي على نسب منخفضة من مادة THC، أو التي تعتمد على مادة CBD فقط، لم تُظهر أي فائدة واضحة في تخفيف الألم أو تحسين الوظيفة الجسدية. وتشير هذه المعطيات إلى أن مادة CBD وحدها، رغم الاعتقاد السائد بفعاليتها، لا تملك تأثيرًا مثبتًا في علاج الألم المزمن وفق الأدلة المتاحة حاليًا.
فروقات بين المنتجات الدوائية
في ما يتعلّق بأنواع المنتجات المستخدمة، أشارت الدراسة إلى أن المنتجات الفموية التي تحتوي على THC فقط قد تُحدث انخفاضًا طفيفًا في شدة الألم. ومن بين هذه المواد، أظهر دواء نابيلون تأثيرًا وُصف بالمتوسط مقارنة بغيره، في حين لم يُظهر دواء درونابينول سوى تأثير ضعيف جدًا أو معدوم، لا يحمل قيمة علاجية واضحة.
كما تناولت الدراسة دواء نابيكسي مولز، وهو مستحضر يحتوي على مزيج من THC وCBD، حيث تبيّن أنه ساهم في خفض طفيف لشدة الألم، إلا أن هذا الانخفاض لم يترافق مع أي تحسن يُذكر في القدرة الوظيفية أو في أداء الأنشطة اليومية، ما يحدّ من جدواه العملية لدى المرضى المصابين بآلام مزمنة.
المخاطر والآثار الجانبية
إلى جانب محدودية الفائدة، شددت الدراسة على المخاطر المرتبطة باستخدام هذه المنتجات. فقد ارتبطت الخيارات العلاجية التي تحتوي على نسب مرتفعة أو متقاربة من مادة THC بزيادة ملحوظة في معدلات الآثار الجانبية، أبرزها الدوار والنعاس والغثيان. وتُعد هذه الأعراض مزعجة وقد تؤثر سلبًا على جودة حياة المرضى، خاصة عند الاستخدام المتكرر أو على فترات زمنية طويلة.
كما أشارت الدراسة بوضوح إلى نقص الأدلة المتعلقة بالفوائد طويلة الأمد لاستخدام المنتجات القائمة على القنب في علاج الألم المزمن، إذ ركزت غالبية الدراسات المتوافرة على فترات قصيرة نسبيًا، ما يجعل من الصعب تقييم السلامة والجدوى الحقيقية على المدى البعيد.
وفي هذا السياق، لفت الباحثون إلى وجود فجوة واضحة بين الصورة الإيجابية الشائعة عن القنب الطبي في الخطاب العام، وبين النتائج العلمية المستندة إلى الدراسات السريرية. فبينما يُنظر إلى هذه المنتجات بوصفها بديلًا علاجيًا واعدًا، تُظهر الأدلة أن فوائدها محدودة ومقرونة بمخاطر صحية لا يمكن تجاهلها.
وخلص الباحثون في ختام دراستهم إلى التأكيد على ضرورة إجراء دراسات إضافية طويلة الأمد وأكثر شمولًا، بهدف تقييم السلامة والفعالية الحقيقية لهذه المنتجات، وتحديد الفئات التي قد تستفيد منها دون تعرّض غير مبرر للآثار الجانبية، قبل اعتمادها على نطاق واسع في الممارسة الطبية.
Yesterday