"زنوبيا" تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيالية؟
![1](https://static.euronews.com/articles/stories/08/94/57/30/800x450_cmsv2_c493402a-60c3-5615-8724-06bcbd2b9368-8945730.jpg)
وفي محاولة لاحتواء هذا الجدل، أكد وزير التربية والتعليم السوري، نذير القادري أن المناهج الدراسية ستبقى على وضعها الحالي حتى يتم تشكيل لجان مختصة لمراجعتها وإجراء التعديلات المطلوبة.
إلاّ أن الحديث عن إمكانية إجراء هذه التعديلات، أثار عاصفة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد اعتبرها كثيرون إنكارًا للتاريخ وتشويهًا للحقائق.
ومن ضمن جملة التعديلات، يُعدّ قرار حذف الفصل المتعلق بالملكة زنوبيا من بين أكثر النقاط إثارة للجدل، مما يدفع للتساؤل: هل يمكن حقًا اعتبار زنوبيا شخصية خيالية؟
ماذا نعرف عن زنوبيا وهل هي حقيقية؟
ولدت زنوبيا حوالي عام 240 ميلادية في مدينة تدمر السورية، بحسب العديد من المصادر التاريخية. وتمتعت تدمر بأهمية استراتيجية واقتصادية بارزة، إذ شكلت نقطة تقاطع حيوية بين العالم المتوسطي الخاضع للحكم الروماني والإمبراطوريات الكبرى في آسيا.
عرفت تدمر بـ"لؤلؤة الصحراء"، إذ كانت محطة رئيسية للتجار العابرين للصحراء، مما منحها ثروة مكّنت قادتها من تعزيز نفوذهم. وقد تميزت المدينة بمعالمها المعمارية الفريدة، مثل قوس النصر والمسرح الشهير. وبحلول منتصف القرن الثالث، تمتعت تدمر بقدر من الاستقلال داخل الإمبراطورية الرومانية، وهو الواقع الذي سعت زنوبيا إلى تغييره.
نشأت الملكة في بيئة ثقافية غنية، حيث تلقت تعليمها في الإسكندرية، ودرست تاريخ الإغريق والرومان. كانت سوريا آنذاك مقاطعة رومانية، وشكل هذا السياق جزءًا من حياتها السياسية لاحقًا.
تشير المصادر التاريخية إلى زنوبيا كواحدة من أعظم الملكات في التاريخ القديم، والتي كانت تتمتع بجمال لافت وذكاء استثنائي. وتوصف بأنها امرأة ذات قدرات مذهلة، استطاعت أن تحول تدمر إلى قوة عظمى في الشرق الأدنى، ولا تزال تُذكر كرمز للقيادة والشجاعة.
بحلول عام 258 ميلادية، تزوجت زنوبيا من لوكيوس سبتيموس أوديناثوس، المعروف باسم أُذينة، الحاكم الروماني لسوريا. أنجبت منه طفلين وعاشت معه في تدمر، المدينة التي كانت مركزًا تجاريًا مزدهرًا على طريق الحرير. كان أُذينة حاكمًا ذا نفوذ، وتشاركت معه زنوبيا في إدارة شؤون الحكم، مما ساهم في صقل فكرها السياسي وتطوير رؤيتها القيادية.
بعد اغتيال أُذينة وابنه في عام 266/267 ميلادية، أصبحت زنوبيا وصية على العرش. ومع وصولها إلى السلطة، تبنت سياسات زوجها لكنها وسعت نفوذها بجرأة. استغلت ضعف الإمبراطورية الرومانية الناتج عن انشغالها بغزوات في أوروبا، ونجحت في فرض سيطرتها على سوريا وشمال بلاد ما بين النهرين.
وقد أصدرت زنوبيا أوامر بإعدام المسؤولين عن مقتل زوجها، ثم أعلنت انفصال تدمر ومناطقها عن حكم الإمبراطورية الرومانية وإمبراطورها، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستقلال. ونجحت زنوبيا في تحقيق طموحها، فحولت تدمر إلى قوة تضاهي روما.
كما وسعّت زنوبيا نفوذها شرقًا للحدّ من تهديد الفرس، فضمّت عدة مناطق مجاورة، بما في ذلك سوريا بأكملها وأجزاء واسعة من الأناضول. وعام 269م، أرسلت جيشها إلى مصر، حيث سيطرت على الإسكندرية، وبعد عام، أحكمت قبضتها على البلاد بكل ثرواتها، بما في ذلك إمدادات الحبوب التي كانت تعتمد عليها روما. وبدت إمبراطوريتها حينها عصيّة على السقوط.
لكن هذا التوسع لم يدم طويلًا. ففي عام 272م، ضرب جيش الإمبراطور الروماني آنذاك أوريليان أغسطس الحصار على تدمر، لكن زنوبيا كانت واثقة من قدرة رماة سهامها وفرسانها على صد الهجوم. وحين اشتد الضغط، بعثت برسالة تحدٍّ إلى أوريليان، جاء فيها: "من زنوبيا، ملكة الشرق، إلى أوريليان أغسطس... تطالب بتسليمي، وكأنك تجهل أن كليوباترا فضّلت الموت ملكة على أن تبقى حيّة بأي صفة أخرى".
عزز أوريليان هجماته لإخضاع المدينة، وعندما أدركت زنوبيا خطورة الموقف، حاولت الفرار شرقًا نحو بلاد فارس، لكن محاولتها باءت بالفشل.
ولا تزال نهاية زنوبيا محاطة بالغموض، إذ تذكر بعض المصادر العربية أنها انتحرت لتفادي الوقوع في الأسر، بينما تشير الروايات الرومانية إلى أن أوريليان رفض إعدامها وأخذها أسيرة إلى روما. ووفقًا لما ورد في بعض المصادر، فإن زنوبيا، التي كانت تحلم بزيارة روما، "حققت أمنيتها أخيرًا... ولكنها دخلتها مهزومة".
وزعمت روايات أخرى أنها أُعدمت في تدمر، بينما يذهب البعض إلى القول إنها تزوجت من عضو في مجلس الشيوخ الروماني وعاشت حياتها لاحقًا كأرستقراطية رومانية.
وهكذا، ظلّت زنوبيا رمزًا خالدًا للإرادة والتحدي، حيث ألهمت أجيالًا من الكتّاب الذين افتتنوا بمآثرها كملكة قوية تمكنت من مواجهة روما. وخلدت زنوبيا في العديد من الأعمال الأدبية والتاريخية. في رواية "أنا زنوبيا ملكة تدمر" للكاتب الفرنسي بيرنار سيميوت، يصور المؤلف قصتها بإبداع أدبي.
أما المؤرخ الإنجليزي إدوارد غيبون، فقد وصفها في كتابه "اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها" بأنها "المرأة التي استطاعت بعبقريتها الفائقة أن تتجاوز القيود الاجتماعية والمناخية التي فرضت الخمول على جنسها في آسيا".
في المحصلة، نرى بوضوح أن المصادر التاريخية تنظر إلى زنوبيا باعتبارها شخصية حقيقية تركت بصمة عميقة في تاريخ المنطقة، مستندة إلى الأدلة التي تعزز وجودها كملكة حكمت تدمر بذكاء وقوة. هذه التوثيقات التاريخية، إلى جانب إنجازاتها الملموسة، تجعل من الصعب إنكار حقيقة وجودها وتأثيرها العميق في تاريخ الشرق القديم.