أزمة الميثاقية إلى الواجهة.. الحكومة اللبنانية توافق على الورقة الأميركية رغم انسحاب الوزراء الشيعة

عُقدت في قصر بعبدا، اليوم الخميس 7 آب/أغسطس، جلسة لمجلس الوزراء اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، خُصصت لاستكمال النقاش في ورقة المبعوث الأميركي توماس بارّاك، في متابعة للجلسة التي عُقدت يوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس.
وبعد نحو ساعتين من انطلاق الجلسة، انسحب الوزراء الشيعة منها، وهم: وزير الصحة ركان نصر الدين، وزير العمل محمد حيدر، وزيرة البيئة تمارا الزين، ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي. أما وزير المالية ياسين جابر، فغاب عن الجلسة بداعي السفر.
ورغم الانسحاب، أعلن وزير الاعلام بول مرقص خلال تلاوته مقررات الجلسة أن "مجلس الوزراء وافق على اهداف الورقة التي تقدم بها الجانب الاميركي لتعزيز وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل، والتي تتضمن إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي اللبنانية، بما يشمل سلاح حزب الله، ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية".
وأشار إلى أن الحكومة رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء حاولوا ثني الوزراء الشيعة عن الانسحاب وقد تم دعوتهم للبقاء في الجلسة إلى حين اتخاذ القرار، لكنهم ارتأوا الخروج، مؤكدًا أن "الانسحاب لم يكن من الحكومة، بل من الجلسة، حتى لا يُتخذ القرار بحضورهم".
ولفت إلى أن الحكومة لم تدخل في تفاصيل الورقة الأميركية، بل اقتصرت الموافقة على الأهداف العامة فقط، موضحًا أن الخطوات التنفيذية ستُبحث لاحقًا، وأن مجلس الوزراء بانتظار خطة تطبيقية من قيادة الجيش اللبناني في هذا السياق.
وكان حزب الله وحركة أمل قد أعلنا في وقت سابق أن جلسة اليوم تشكّل فرصة لتصحيح المسار، محذرين من أن تجاهل ذلك سيؤدي إلى إعادة سيناريو الانسحاب، وهو ما تحقق بالفعل مع خروج الوزراء الأربعة من الاجتماع.
وخلال الجلسة، عبّر وزير العمل محمد حيدر، المحسوب على حزب الله، عن رفضه مضمون الورقة الأميركية، قائلاً: "أنا ابن هذا الشعب، وأعرف معاناته. كيف لي أن أواجه أم شهيد، أو شابًا يعيش في ظل قلق وجودي دائم، وأقول له إن عليه التنازل عن الضمانة الوحيدة التي يشعر أنها تحميه؟"
وأضاف: "لا يمكننا الحديث عن سلاح المقاومة قبل انسحاب العدو، وعودة الأسرى، ووقف الاعتداءات، والشروع في إعادة الإعمار."
فقدان الميثاقية
يُعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة مسألة تتجاوز الطابع الإجرائي، إذ يؤدي ذلك إلى فقدان الجلسة "الميثاقية"، وهي قاعدة عرفية في السياسة اللبنانية تقوم على ضرورة مشاركة المكونات الطائفية الأساسية في السلطة التنفيذية، انسجامًا مع مبدأ الشراكة الوطنية المنبثق عن اتفاق الطائف.
ورغم أن الدستور اللبناني لا يفرض نصابًا طائفيًا على جلسات مجلس الوزراء، فإن انسحاب أي مكون رئيسي من الحكومة يُثير خلافًا سياسيًا حادًا حول شرعية انعقادها واستمرارها. وقد شهد لبنان سابقة بارزة في هذا السياق عام 2006، حين انسحب وزراء حزب الله وحركة أمل من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ما دفع المعارضة حينها إلى وصف الحكومة بـ"غير الميثاقية"، وأدى إلى أزمة دستورية وسياسية استمرت أشهرًا طويلة، وأعادت طرح سؤال التوازنات الطائفية في العمل الحكومي.
وفي السياق ذاته، يُنذر انسحاب وزراء الطائفة الشيعية من جلسة اليوم بعودة التوتر السياسي وتعطيل عمل مجلس الوزراء، لا سيما في ظل استمرار الخلافات حول ملف سلاح حزب الله، والموقف من الورقة الأميركية المطروحة.
قرار حكومي يثير تصعيدًا سياسيًا
تأتي هذه التطورات بعد جلسة استثنائية عقدها مجلس الوزراء اللبناني يوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس في قصر بعبدا، خُصصت لمناقشة خارطة طريق لنزع سلاح حزب الله، في ظل تصاعد الضغوط الأميركية ومخاوف من تصعيد إسرائيلي محتمل.
وفي ختام الجلسة، أعلن وزير الإعلام بول مرقص أن الحكومة قررت تحديد مهلة تمتد حتى نهاية العام الجاري لتوحيد السلاح بيد الدولة اللبنانية، على أن يقدّم الجيش خطة تنفيذية لتحقيق ذلك قبل نهاية الشهر الحالي. وأوضح أن النقاش حول بند "حصر السلاح" لم يُحسم بعد، وسيُستكمل في الجلسة المقبلة.
وقد أثار هذا القرار اعتراض حزب الله وحركة أمل، حيث انسحب وزراؤهما من الجلسة احتجاجًا. وفي بيان شديد اللهجة، وصف حزب الله القرار بأنه "خطيئة كبرى" و"تنفيذ حرفي لإملاءات المبعوث الأميركي توماس بارّاك"، معتبرًا أنه يُحقق لإسرائيل ما عجزت عن تحقيقه عسكريًا، ويُجرّد لبنان من عناصر قوته في مواجهة العدوان.
وشدّد الحزب على أن القرار يشكل مخالفة صريحة للبيان الوزاري الذي التزمت به الحكومة، وكذلك لتوجهات رئيس الجمهورية بشأن مناقشة استراتيجية وطنية دفاعية، واصفًا ما جرى بأنه "إسقاط لمقومات السيادة" و"استسلام مرفوض"، معلنًا في ختام بيانه: "سنتعامل مع هذا القرار كأنه غير موجود"، مع التأكيد في الوقت نفسه على الانفتاح على الحوار ورفض مناقشة مستقبل السلاح "تحت وقع العدوان".
Today