تحت غطاء "الأمن" و"الاستثمار".. استيلاء منظم على عقارات ومزارع في سوريا

تنفذ جهات تابعة لأجهزة الأمن الجديدة في مناطق متفرقة من سوريا، عمليات استيلاء على منازل سكنية وأراضٍ زراعية ومنشآت اقتصادية، في ظل غياب تام للرقابة القانونية، وانعدام أي وثائق رسمية تُبرر هذه الإجراءات.
وتواصل عدد من سكان هذه المناطق مع يورونيوز، وكشفوا عددًا من الممارسات التي تمارس في أكثر من منطقة في البلاد.
في ريف حمص الشرقي مثلًا، سجّلت عشرات الحالات خلال الأسابيع الماضية، وأفاد بعض السكان بدخول عناصر تابعة للأمن العام إلى قرى مختلطة سكانيًا، ومطالبة مالكي المنازل الفارغة بتسليم مفاتيح منازلهم بذريعة "التفتيش" أو "التأمين".
ومع تكرار الزيارات، تحولت المطالب إلى سيطرة فعلية على العقارات، وإجبار عائلات تسكن بمقتضى توكيل أو استئجار على مغادرة المباني خلال ساعات، دون منحها فرصة للتفاوض أو البحث عن سكن بديل.
سيدرة -اسم وهمي خوفاً من ملاحقة أمنية- مالكة منزل في إحدى قرى الريف الشرقي، قالت ليورونيوز، إنها تلقت اتصالاً من المختار يُبلغها بقرار "فتح المنزل لأنه غير مأهول"، مشيرة إلى أنها سافرت فورًا إلى القرية، وواجهت عناصر الأمن الذين أخبروها بصيغة قاطعة: "لديك بيت في حمص، وهذا بيتنا الآن".
وأوضحت أنه "بعد توتر ومحادثات مع الشيخ المسؤول، اضطرت لدفع مبلغ مالي، وُصف محليًا بـ"الدية"، على أمل تفادي الاستيلاء، مع تلقي وعود غير مكتوبة بعدم الدخول مجددًا".
وروت عليا – اسم وهمي- ، قصتها، مشيرة إلى أنها عاشت واقعًا مختلفًا لكنه لا يقل إيلامًا. وتسكن عليا في منزل عمها في إحدى قرى ريف حمص منذ سنوات، بتكليف منه، وهو مقيم خارج سوريا.
وأضافت: "داهمت الدورية الأمنية المنزل، وطالبتها بالخروج خلال 24 ساعة، بحجة عدم وجود عقد إجار"، معتبرة أن تواجدها غير قانوني. حاولت التوضيح، لكن الرد كان حاسمًا: "معك 24 ساعة للخروج، ولا يُسمح لك بنقل أي شيء".
وتابعت قائلة: "اتصلت بعمي فورًا، فنفى أن يكون قد تقدم بأي شكوى، ووصف ما يجري بأنه محاولة احتيال منظمة". وعند عودتي للنقاش مع العناصر، أكد الشيخ: "هذا قرار، وليس قابلًا للنقاش".
من جانبه وصف مختار إحدى القرى في الريف الشرقي لحمص ليورونيو، هذه الممارسات بـ"البلطجة المنظمة"، موضحًا "أن العناصر تستخدم ذرائع مثل عدم التواجد أو غياب الوثائق للاستيلاء على عقارات خاصة"، مؤكداً ان "هذه الخطوة جزء من محاولة لتغيير التركيبة السكانية في هذه المناطق".
وأكمل المختار، أن "الحوادث كثيرة منها منع الناس من الوصول إلى أراضيها والعمل بها، بحجة أن أصحابها كانوا مؤيدين للنظام مع وصفهم بالشبيحة والفلول ولا يحق لهم العيش من أراضيهم".
وفي ريف حماة، اتسع نطاق الاستيلاء ليشمل الأراضي الزراعية، خصوصًا تلك المزروعة بكروم الفستق الحلبي والزيتون. وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان في شهر يوليو/ تموز الماضي تدخل "اللجنة الاقتصادية" في حماة، بالتنسيق مع مجموعات مسلحة محلية، لمصادرة أراضٍ تعود لمدنيين مهجّرين من قرى مثل الشهيب، الشهبا، كاسون، معان، والشيحة. وتُقدّر نسبة القرى المهجرة في الريف الشرقي بـ99%، وفق تقديرات محلية.
وبحسب شهادات جمعها المرصد، تُفرض "إتاوات" تصل إلى 3.5 ملايين ليرة سورية على من تبقى من السكان، أو تُطالبهم الجماعات بتسليم "أسلحة" غير موجودة، تحت طائلة التهجير أو المضايقة الأمنية. وفي حالات كثيرة، تُمنح الأراضي المصادَرة لشخصيات نافذة ترتبط بأجهزة أمنية، وتُستثمر لحسابها الخاص.
وظهرت شركة تُدعى "اكتفاء للاستثمار الزراعي" كأداة تنفيذية في هذه العمليات، بالتنسيق مع المكتب الاقتصادي لمحافظة حماة. وتتركّز أنشطتها في قرى ذات غالبية علوية، حيث تُستخدم مجموعات مسلحة لبث الرعب بين السكان، ثم تُفرض عليهم خيارات مجحفة: إما توقيع عقود "استثمار" تُفقد صاحب الأرض سيطرته الفعلية، أو الرفض، فيُمنع من دخول أرضه ويُمنحها طرف آخر بحسب المرصد السوري.
أما في طرطوس، امتد النمط إلى القطاع السياحي، مع تسجيل حالة استيلاء مسلح على منتجع "هوليدي بيتش" في 13 أغسطس/ آب الجاري، أحد أبرز المنشآت السياحية في الساحل السوري.
ووفق مصادر محلية نقل عنها المرصد السوري، داهمت مجموعة مسلحة مرتبطة بثلاثة مشايخ تابعين للحكومة في دمشق المنتجع، وطردت المالك وطاقم الإدارة، وأقالت مدراء من الطائفة العلوية، وأوقفت تقديم المشروبات الروحية، في خطوة تُفسر على أنها "تطهير إداري وديني".
Today