قوات الدعم السريع تعتقل "جزار القرن".. من هو "أبو لولو"؟
أعلنت قوات الدعم السريع، الخميس، اعتقال القيادي في صفوفها المعروف باسم "أبو لولو"، بعد انتشار مقاطع مصورة توثّق قيامه بإعدامات جماعية في مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في دارفور.
ويُدعى "أبو لولو" في الأصل اللواء العقيد الفاتح عبد الله إدريس، وقد ظهر في تسجيلات عدّة وهو يُطلق النار من مسافة قريبة على مدنيين عُزَّل، بينما يهتف جنود من حوله باسمه، ما دفع وسائل التواصل إلى تلقيبه بـ"جزّار القرن".
ويأتي الاعتقال بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، حيث ارتكبت مذبحة استمرت 48 ساعة، قُتل خلالها أكثر من 2000 مدني، بحسب شهادات ناجين وبيانات جهات محلية.
ووثّقت مقاطع متداولة قيام "أبو لولو" بإعدام تسعة رجال واقفين أمامه دون مقاومة، في مشهدٍ يُعدّ واحداً من بين عشرات المشاهد العنيفة التي خرجت من المدينة المحاصرة منذ سقوطها نهاية الأسبوع الماضي.
شهادات ناجين: قتل الأطفال ونهب الفارّين
أفاد ناجون وصلوا إلى بلدة تويلة المجاورة لوكالة فرانس برس بتفاصيل مروّعة، من بينها قتل أطفال أمام أعين ذويهم، واعتداءات جسدية وسرقات طالت المدنيين أثناء محاولتهم الفرار. ومنذ سقوطها، انقطعت الفاشر تماماً عن العالم الخارجي من حيث الاتصالات والوصول الإنساني.
وفي بيانٍ صدر مساء الخميس، أعلنت قوات الدعم السريع اعتقال "عدد من مقاتليها" المتهمين بـ"انتهاكات وقعت أثناء تحرير الفاشر"، مشيرةً إلى أن "لجاناً قانونية" بدأت التحقيق معهم "استعداداً لتقديمهم إلى العدالة".
ونشرت مقطع فيديو يُظهر "أبو لولو" خلف القضبان، قائلةً إنه محتجز في سجنٍ بولاية شمال دارفور، ومؤكدةً التزامها بـ"القانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري في زمن الحرب".
تحذيرات دولية واتهامات بجرائم قد ترقى للإبادة
إلا أن هذه الخطوة تأتي وسط تحذيرات دولية متزايدة. فقد أفادت منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من 460 مريضاً ومرافقاً قُتلوا رمياً بالرصاص داخل مستشفى ولادة بالفاشر، واختُطف ستة من الكوادر الصحية، بينهم أربعة أطباء.
ووصفت "القوات المشتركة" - الحليفة للجيش السوداني - الأحداث بأنها "جرائم بشعة" طالت في الغالب النساء والأطفال والمسنين.
وأشار تحليل حديث من مختبر البحوث الإنسانية في كلية الصحة العامة بجامعة ييل، استند إلى صور الأقمار الصناعية ومقاطع مفتوحة المصدر، إلى وجود تجمّعات لأجسام تتوافق أبعادها مع جثث بشرية، إضافة إلى تلوّن أحمر في التربة يُرجّح أنه دماء. وخلص التقرير إلى أن أفعال قوات الدعم السريع "قد تتماشى مع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية".
من جانبه، حذّر رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، من "تصاعد خطر الانتهاكات والفظائع ذات الدوافع العرقية" في الفاشر، بينما نفت قوات الدعم السريع "نفياً قاطعاً" ارتكاب مذبحة في المستشفى، ووصفت الاتهامات بأنها جزء من "حملة دعائية مكثفة".
تصاعد الفظائع خارج دارفور ونزوح جماعي غير مسبوق
في سياق التحذيرات الدولية المتزايدة، أفادت وكالة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة بأن أكثر من 62 ألف شخص فرّوا من الفاشر بين يومَي الأحد والأربعاء، بينما لا يزال مصير عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين داخل المدينة مجهولاً.
وأبلغ منسّق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، توم فليتشر، مجلس الأمن يوم الخميس أن "الرعب مستمر" في الفاشر، وعبّر عن شكوك جوهرية في جدّية التزام قوات الدعم السريع بالتحقيق في الانتهاكات، على وقع "تقارير مروّعة" ترد من شمال دارفور.
وأوضح فليتشر أن إراقة الدماء لم تعد محصورة في دارفور، بل بدأت تمتد إلى مناطق مجاورة، مع توثيق فظائع جديدة في ولاية شمال كردفان. وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فرّ أكثر من 35 ألف شخص بين الأحد والأربعاء من خمس مناطق في الولاية، من بينها بلدة بارا، الواقعة شمال الأبيض على الطريق الرئيسي المؤدي إلى دارفور، والتي سيطرت عليها قوات الدعم السريع يوم السبت.
وأبرزت مارثا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، "تقارير عن فظائع واسعة النطاق" ارتكبتها الميليشيا في بارا، بما في ذلك عمليات انتقامية "ذات دوافع عرقية". ووثّقت الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 50 مدنياً في الأيام الأخيرة، سواء في الاشتباكات أو عبر إعدامات ميدانية، من بينهم خمسة من متطوعي الهلال الأحمر السوداني.
ويأتي هذا الفصل الدموي في سياق نزاع مستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أدى حتى الآن ــ بحسب تقديرات الأمم المتحدة ــ إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، رغم أن منظمات الإغاثة ترى أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى بمراتٍ عديدة. ودفع القتال أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح، وسط تقارير عن مجاعة تدفع بعض العائلات إلى أكل العشب للبقاء على قيد الحياة.
Today