من باريس.. حركة "الماك" تعلن "استقلال منطقة القبائل" وسط إدانة رسمية في الجزائر ورفض من الأمازيغ
أعلنت حركة تقرير مصير منطقة القبائل (ماك/MAK)، الأحد، من العاصمة الفرنسية باريس، عن قيام "الجمهورية الفدرالية للقبائل" واستقلال منطقة القبائل عن الجزائر، في خطوة أثارت انتقادات جزائرية.
الإعلان جاء من قبل فرحات مهني، زعيم حركة تقرير مصير القبائل (MAK) ورئيس "الحكومة القبائلية في المنفى" (أنافاد)، في باريس، رغم قرار السلطات الفرنسية بمنع التجمع في قصر المؤتمرات بمدينة فرساي في فرنسا.
وجاء القرار على خلفية مخاوف أمنية تتعلق بالحفاظ على النظام العام، لا سيما في ظل الطابع السياسي الحساس للتجمع وارتباطه بحركة "الماك" المصنفة تنظيمًا انفصاليًا من قبل السلطات الجزائرية، وما قد يرافق مثل هذه الفعاليات من توترات محتملة.
ورغم قرار السلطات الفرنسية، حضر التجمع مئات النشطاء القبائليين، بالإضافة إلى وفود أجنبية من كندا وبريطانيا وإسرائيل، وشخصيات سياسية وإعلامية، بحسب وسائل إعلام مقربة من "الماك".
وجاء الإعلان تزامنًا مع ذكرى قرار الأمم المتحدة رقم 1514 الصادر عام 1960 والمتعلق بتقرير مصير الشعوب المستعمرة.
"استقلال القبائل"
وخلال المراسم، قرأ فرحات مهني "وثيقة الإعلان عن الاستقلال"، وألقى خطاباً، وغُني النشيد القبائلي، بمشاركة ممثلين عن "البرلمان القبائلي".
وقال معني: "أعلن رسميًا استقلال منطقة القبائل"، مضيفًا أنه، ووفقًا لدستورها، "أصبحت القبائل من الآن فصاعدًا جمهورية اتحادية ديمقراطية وعلمانية".
وتقع منطقة القبائل في شمال الجزائر، وهي منطقة واسعة تحدّها السهول الساحلية غربًا وشرقًا، والبحر الأبيض المتوسط شمالًا، والهضاب العليا جنوبًا، ويقطنها سكان غالبيتهم من أصول أمازيغية، وقد قُدّر عددهم بنحو 7 ملايين نسمة عام 2022.
وأوضح مهني أن "هذا الاستقلال يسري إلى الأبد، ابتداءً من هذه اللحظة التي أضع فيها توقيعي على هذا الإعلان"، مضيفًا أن "الشعب القبائلي يستعيد ابتداءً من اليوم كامل سيادته على نفسه وعلى أراضيه".
وبحسب الحركة، فإن السلطة الجزائرية في منطقة القبائل باتت "سلطة أجنبية عن القبائل وعن الشعب القبائلي"، وأن "استعادة السلطة القبائلية على القبائل" قد بدأت فعليًا منذ الأحد 14 ديسمبر/كانون الأول 2025.
وأكدت "الجمهورية الاتحادية للقبائل"، التي تُقدَّم بوصفها "الممثل الشرعي للشعب القبائلي في الداخل وعلى الساحة الدولية"، أنها "منفتحة على الحوار مع السلطات الجزائرية والهيئات الدولية بشأن آليات نقل الصلاحيات التي تعود إليها بحق، طبيعيًا وشرعيًا"، وفق ما جاء في الإعلان.
وهذا الإعلان غير معترف به من قبل الدولة الجزائرية، التي تدرج الحركة على قائمة المنظمات الإرهابية.
انتقادات جزائرية
وأثار القرار ردود فعل غاضبة في الجزائر، حيث عبرت حركة مجتمع السلم عن رفضها لما وصفته بـ "الانزلاقات الخطيرة والمناورة اليائسة" الصادرة عن "الماك"، معتبرة أن دعوات الانفصال تهدد وحدة الجزائر وأمنها واستقرارها.
كما أكدت أن مساعي حركة "الماك" تشكل اعتداء على العقد الاجتماعي الوطني ولا تعبر عن إرادة سكان مناطق القبائل".
بدوره، أكد رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، أن "حركة الماك هي تنظيم انفصالي فاقد لكل شرعية سياسية أو تاريخية" معتبرًا أن "أي مسعى للمساس بوحدة الجزائر إعلان حرب على الشعب الجزائري بكل مكوناته"
وأضاف أن المشروع الانفصالي لا يستند إلى أي مقومات واقعية، واصفا إياه بـ "محاولة بائسة الإحياء أطماع استعمارية اندثرت مع استرجاع الجزائر لسيادتها".
من جهته، اعتبر المسؤول السابق في الحركة الثقافية الأمازيغية، الهادي ولد علي، أن الدعوة إلى استقلال القبائل " تمثل وهما سياسيا خطيرا وتشويها التاريخ الحركة الأمازيغية التي نشأت كحركة ثقافية وديمقراطية جامعة، لا كمشروع التفكيك الدولة الوطنية".
كما دعت تنسيقية "زوايا تيزي وزو" أبناء المنطقة إلى رفض ما وصفتها بـ "الدعوات المسمومة"، مؤكدة أن "ما يروج له فرحات مهني لا يعكس هوية القبائل الثقافية والدينية والوطنية"، وشددت على الالتفاف حول مؤسسات الدولة والدفاع عن الوحدة الوطنية باعتبارها "خطا أحمر لا يمس".
"منظمة إرهابية"
تعود جذور حركة "ماك" إلى أحداث ما يسمّى "الربيع الأسود" عام 2001، حين شهدت منطقة القبائل احتجاجات واسعة تخللتها مواجهات دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 120 شخصًا وإصابة آلاف آخرين. وانتقلت الحركة عام 2013 من المطالبة بـ"الحكم الذاتي" إلى رفع شعار "تقرير المصير".
وتشير الوثائق الرسمية الفرنسية إلى أن حركة "ماك" مسجلة جمعيةً معتمدةً في فرنسا باسم "الحركة من أجل تقرير مصير القبائل"، وبوصل اعتماد تحت رقم 1236، مؤرخ في 24 أغسطس/آب 2024.
ولاحقا، طورت الحركة خطابها ومشروعها السياسي إلى ما تزعم أنه انفصال، كانت تتبنى خيار المطالبة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل.
ومنذ مايو/ أيار 2024، صنف مجلس الأمن القومي الجزائري، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، منظمة "الماك" الانفصالية ضمن الجماعات الإرهابية.
وتتهم السلطات الجزائرية حركة "ماك" بالوقوف وراء حرائق المهولة بمنطقة القبائل في أغسطس/آب 2021، وفي جريمة إحراق الشاب جمال بن إسماعيل.
وحتى يناير/كانون الثاني 2024، كان القضاء الجزائري قد أصدر أربعة أحكام غيابية بالسجن بين 15 إلى 20 عاماً والمؤبد، في حق رئيس هذه الحركة فرحات مهني، في قضايا تخص تهديد الوحدة الوطنية والمس بسلامة التراب الوطني، كان آخرها حكم رفقة 26 من عناصر الحركة، وجهت لهم تهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي وارتكاب أفعال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، بعد العثور لديهم على ذخيرة حربية.
Today