هل يمكن للقاحات الخلايا أن تُبطئ تطوّر سرطان الكبد وتفتح باب أمل جديد للمرضى؟

وتأتي هذه النتائج في إطار تجربة سريرية مبتكرة عُرفت باسم إيمونو-تاس (ImmunoTACE)، وهي الأولى من نوعها عالمياً، حيث شارك فيها 48 مريضاً في أربعة مراكز طبية بريطانية رائدة، هي: مستشفيات برمنغهام الجامعية، مستشفى نوتنغهام الجامعي، مستشفى إينتري الجامعي، ومستشفى كلاتربريدج.
أظهرت بيانات المرحلة الثانية من التجربة أنّ المرضى الذين خضعوا للتقنية الجديدة عاشوا فترة أطول قبل أن يتقدّم المرض لديهم، إذ بلغ متوسّط فترة البقاء من دون تقدّم الورم 18 شهراً، مقارنةً بـ 10 أشهر فقط لدى من تلقّوا العلاج التقليدي وحده، والذي يُعرف طبياً بعملية الانسداد الشرياني الكبدي الكيميائي (تيمو-إمبولايزيشن).
آلية عمل اللقاح الجديد
يعتمد اللقاح على استخدام الخلايا المتغصّنة، وهي خلايا مناعية متخصصة تُعتبر بمثابة "المرشد" لجهاز المناعة، إذ تقوم بتعريفه إلى البروتينات الغريبة، مثل تلك الموجودة في الأورام السرطانية. في التجربة، جرى عزل خلايا دم بيضاء من المريض نفسه، ثم تمت معالجتها في مختبر متقدم لمدة ثمانية أيام عبر تعريضها لبروتينات مأخوذة من خلايا سرطانية. وعند إعادة حقنها في المريض، تعمل هذه الخلايا على تنشيط الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية بشكل أكثر دقة وفاعلية.
وبدوره صرح البروفيسور ديفيد آدامز، الباحث الرئيسي وأستاذ أمراض الكبد الفخري في جامعة برمنغهام: "إن نتائج هذه التجربة واعدة للغاية، فهي تظهر أنّ بإمكاننا تدريب جهاز المناعة على التعرف إلى الورم ومكافحته. ويمثل هذا التقدم خطوة مهمة نحو توفير علاج جديد لسرطان الكبد، الذي يُعد من بين أكثر أسباب الوفيات المرتبطة بالسرطان انتشاراً عالمياً".
من جانبها، أوضحت الدكتورة يوك تينغ ما، المؤلفة الرئيسية للدراسة وأستاذة مساعدة في علم الأورام الكبدية، أنّ دمج اللقاح مع العلاجات المناعية الأخرى قد يكون مفتاحاً لإطالة عمر المرضى ومنحهم جودة حياة أفضل. وأضافت: "ما زلنا في المراحل الأولى، لكن النتائج تمنحنا أملاً حقيقياً بأننا نسير في الاتجاه الصحيح لتطوير علاجات أكثر فعالية وأقل ضرراً لمرضى سرطان الكبد".
أهمية النتائج المستقبلية
يرى الباحثون أنّ نجاح هذه المرحلة يمهّد الطريق أمام تجارب سريرية أوسع تشمل أعداداً أكبر من المرضى، للتحقّق من النتائج بشكل أدق، وربما تمهيد الطريق لاعتماد هذا النوع من اللقاحات مستقبلاً ضمن البروتوكولات العلاجية القياسية لسرطان الكبد. كما يشيرون إلى أنّ التقنية الجديدة قد تفتح الباب أمام تطوير لقاحات مشابهة تستهدف أنواعاً أخرى من الأورام.
ويُعتبر سرطان الكبد من الأمراض الصامتة التي تُكتشف غالباً في مراحل متأخرة، مما يقلّل من فعالية العلاجات المتاحة حالياً. وتشير الإحصاءات إلى أنّ معدلات الإصابة بهذا المرض في ازدياد عالمي، خاصة في الدول التي تنتشر فيها أمراض الكبد المزمنة مثل التهاب الكبد الفيروسي.
ويمثل هذا الإنجاز العلمي بارقة أمل للمرضى الذين يواجهون تحدياً كبيراً مع سرطان الكبد. ومع استمرار الأبحاث والتجارب السريرية، قد يصبح دمج اللقاحات المناعية بالعلاج التقليدي بداية لعصر جديد من العلاجات الشخصية الدقيقة، التي لا تستهدف الورم وحده، بل تحفّز أيضاً جهاز المناعة البشري ليصبح شريكاً فاعلاً في محاربة المرض.
Today