أوروبا تُشهر سلاح العقوبات: آلية "سناب باك" تعود لتطوّق إيران من جديد

تستعد بريطانيا وفرنسا وألمانيا، صباح الخميس، لإخطار مجلس الأمن الدولي رسميًا بأن إيران ارتكبت "انتهاكات كبيرة" للاتفاق النووي المبرم عام 2015، وفق ما أفادت صحيفة "واشنطن بوست". وستفعّل هذه الخطوة آلية "العودة التلقائية للعقوبات"، لتعيد بعد 30 يومًا العمل بمجموعة واسعة من الإجراءات، تشمل حظر توريد الأسلحة التقليدية، وتقييد إنتاج الصواريخ الباليستية، وتجميد الأصول، وحظر منح التأشيرات.
خلفية التصعيد
هذا القرار، بحسب مسؤولين أوروبيين تحدثوا للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، يأتي بعد سنوات من التهديدات وشهور من مفاوضات متعثرة مع طهران. وكانت الدول الأوروبية الثلاث إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين قد وقّعت الاتفاق النووي عام 2015، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
في يونيو/حزيران الماضي، شنّت الولايات المتحدة حملة قصف استهدفت المراكز الرئيسية الثلاثة لبرنامج إيران النووي، بعد سلسلة هجمات إسرائيلية على مواقع ومنشآت نووية وعلماء إيرانيين. وادّعى ترامب حينها أنه "دمّر" البنية التحتية النووية الإيرانية، لكن تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وأجهزة الاستخبارات الأميركية أشارت إلى أن البرنامج تعرض لأضرار جسيمة من دون وضوح مصير مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب أو قدرتها على إنتاج المزيد.
خطوة أوروبية سبقت رئاسة روسيا لمجلس الأمن
وضعت الدول الأوروبية مهلة حتى نهاية أغسطس/آب لإحراز تقدم ملموس في المحادثات بين طهران وواشنطن حول مستقبل برنامجها النووي، بما في ذلك مصير نحو 900 رطل من اليورانيوم عالي التخصيب وتسهيل عودة مفتشي الوكالة الدولية إلى المواقع التي انسحبوا منها عقب القصف الأميركي.
وتأتي خطوة تفعيل آلية "سناب باك" قبل تولي روسيا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، ما يمنح العواصم الأوروبية فرصة لإطلاق العد التنازلي قبل دخول موسكو على خط رئاسة المجلس.
تحذيرات إيرانية
وزارة الخارجية الأميركية أكدت، بعد اتصال بين وزير الخارجية ماركو روبيو ونظرائه الأوروبيين الثلاثة، التزام جميع الأطراف بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. في المقابل، أعلنت موسكو أنها ستطرح مشروع قرار في المجلس لتمديد العمل ببنود الاتفاق النووي، لكن محللين يرون أن الفيتو الأميركي والبريطاني والفرنسي سيحول دون تمريره.
من جهته، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" من أن طهران سترد على التصعيد الأوروبي، ملوّحًا بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا تم تفعيل العقوبات. لكنه أبدى استعداد بلاده لدخول "مفاوضات عادلة ومتوازنة" مع الولايات المتحدة، شرط وجود ضمانات بعدم تعرضها لأي اعتداءات عسكرية خلال المحادثات.
تحركات الوكالة الدولية للطاقة الذرية
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، قال خلال زيارة إلى واشنطن إنه ما زال يعتقد بإمكانية استئناف الحوار بين طهران وواشنطن "إذا كانت هناك إرادة للوصول إلى تفاهمات ملموسة". وأوضح أن فريقًا من مفتشي الوكالة عاد إلى إيران وزار مفاعل بوشهر النووي، وأن النقاشات جارية حول استئناف أنشطة التفتيش والتحقق في المواقع الثلاثة الأساسية: فوردو، أصفهان ونطنز.
وأكد غروسي أن مهمة تحديد مدى إمكانية الوصول إلى المنشآت التي تعرضت للقصف ستُترك للمفتشين بعد زيارات ميدانية، مشيرًا إلى أن الوكالة لا تعتقد أن إيران نقلت كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب إلى مواقع سرية قبل الضربات الجوية.
آفاق غامضة
رغم دعوات غروسي لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة، لم يُبدِ الرئيس ترامب اهتمامًا كبيرًا باستئناف المفاوضات، مكتفيًا بالاحتفاء بما وصفه بـ"النجاح العسكري" الذي حققته الضربات الجوية الأميركية. وفي ظل هذا المشهد المتوتر، يرى مراقبون أن إعادة فرض العقوبات قد تدفع الأزمة إلى مزيد من التعقيد، خصوصًا مع التهديدات الإيرانية بالتصعيد وخطر انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع.
Today