...

Logo Pasino du Havre - Casino-Hôtel - Spa
in partnership with
Logo Nextory

الرقابة الرقمية في روسيا: كيف تُحكِم السلطات قبضتها على المستخدمين الروس؟

Business • Aug 6, 2025, 5:01 AM
3 min de lecture
1

قد يكون الاتصال بالإنترنت في روسيا تجربة محبطة ومعقدة، بل وقد تنطوي أحيانًا على مخاطر. ولأمر لا يتعلق بخلل تقني في الشبكة، بل بجهود منهجية ومتعددة الأوجه تبذلها السلطات منذ سنوات، بغرض فرض هيمنة كاملة للكرملين على الفضاء الرقمي.

وقد فُرضت قوانين صارمة تقيد استخدام الإنترنت، وحُظرت المواقع والمنصات التي لا تلتزم بها، فيما جرى تطوير تقنيات متقدمة لمراقبة حركة الإنترنت والتلاعب بها.

ورغم أن تجاوز القيود لا يزال ممكنًا عبر استخدام تطبيقات الشبكة الافتراضية الخاصة (VPN)، إلا أن هذه التطبيقات نفسها تُحظر بشكل متكرر أيضًا.

فرضت السلطات مزيدًا من القيود على الوصول إلى الإنترنت خلال هذا الصيف، عبر تنفيذ عمليات إغلاق واسعة النطاق لاتصالات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، وإقرار قانون يجرّم المستخدمين لمجرد البحث عن محتوى تعتبره غير قانوني.

كما لوّحت بملاحقة منصة واتساب الشهيرة، تزامنًا مع إطلاق تطبيق مراسلة "وطني" جديد، يُتوقع على نطاق واسع أن يكون خاضعًا لرقابة مشددة.

وقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة إلى تشديد الخناق على خدمات الإنترنت الأجنبية، وطلب من المسؤولين إعداد قائمة بالمنصات التابعة لدول "غير صديقة" تمهيدًا لتقييدها.

وقال خبراء ومدافعون عن الحقوق لوكالة أسوشيتد برس إن حجم القيود المفروضة وفعاليتها يبعثان على القلق، مشيرين إلى أن السلطات باتت أكثر تمرسًا في هذا المجال مقارنةً بمحاولاتها السابقة، التي كانت بمعظمها غير مجدية. وتبدو اليوم على وشك فرض قوقعة "رقمية".

وتصف الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، أناستاسيا كروب، نهج موسكو في حجب الإنترنت بأنه "الموت بألف جرح"، قائلة: "رويدًا رويدًا، تسعى السلطات إلى بلوغ مرحلة يتمّ فيها التحكم بكل شيء".

الرقابة بعد احتجاجات 2011-2012

بدأت مساعي الكرملين للسيطرة على ما يفعله الروس أو يقرأونه أو يقولونه على الإنترنت منذ عامي 2011 و2012، حين شكّل الفضاء الرقمي منصة لتحدي السلطة. آنذاك، شهدت وسائل الإعلام المستقلة ازدهارًا ملحوظًا، واندلعت مظاهرات مناهضة للحكومة نُسّقت عبر الإنترنت، وذلك في أعقاب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل، وإعلان بوتين ترشحه مجددًا للرئاسة.

بدأت روسيا بتطبيق لوائح متشددة للرقابة على الإنترنت، شملت حجب بعض مواقع الويب، وإلزام مقدمي الخدمة بتخزين سجلات المكالمات والرسائل، وتوفيرها للأجهزة الأمنية عند الحاجة، إضافة إلى تركيب معدات تتيح للسلطات التحكم بحركة الإنترنت وقطعها عند الضرورة.

كما تعرضت شركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك لضغوط من السلطات الروسية لتخزين بيانات المستخدمين على خوادم داخل البلاد، إلا أن تلك المساعي لم تُحقق نتائج تُذكر. في المقابل، تمّ الإعلان عن خطط لإطلاق "إنترنت سيادي"، يمكن فصله بالكامل عن الشبكة العالمية.

وباتت الملاحقات القضائية بسبب منشورات وتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي أمرًا شائعًا، في مؤشر واضح على الرقابة التي تمارسها السلطات على الفضاء الإلكتروني.

مع ذلك، كان الخبراء قد استبعدوا في السابق أن تنجح جهود الكرملين في كبح جماح الإنترنت، واعتبروها غير فعّالة، مشيرين إلى أن روسيا لا تزال بعيدة كل البعد عن إنشاء منظومة رقابة مشابهة لـ"جدار الحماية العظيم" الذي تستخدمه بكين لحجب المواقع الأجنبية.

الرقابة تتصاعد بعد غزو أوكرانيا

في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا عام 2022، شنّت الحكومة حملة قمع شاملة على الإنترنت، بدأت بحجب منصات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام، إلى جانب تطبيق "سيغنال" وعدد من تطبيقات المراسلة الأخرى. كما استُهدفت خدمات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، ما جعل الوصول إلى المواقع المحظورة أكثر صعوبة.

واجه المستخدمون في روسيا صعوبة شديدة في الوصول إلى يوتيوب خلال الصيف الماضي، في إجراء اعتبره خبراء محاولة متعمّدة من السلطات. وأرجع الكرملين السبب إلى شركة غوغل المالكة للموقع، متهمًا إياها بعدم صيانة تجهيزاتها داخل البلاد.

وقد حظيت المنصة بشعبية واسعة في روسيا، سواء كمصدر للترفيه أو كمنبر للأصوات المنتقدة للكرملين، من بينها زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني.

وأعلنت شركة Cloudflare، المزودة لخدمات البنية التحتية للإنترنت، في حزيران/ يونيو، أن المواقع الإلكترونية التي تستخدم خدماتها تواجه تعطيلًا منهجيًا في روسيا. من جهته، أفاد موقع "ميديا زونا" الإخباري المستقل بأن العديد من مزودي خدمات الاستضافة الغربيين البارزين يُمنعون بدورهم أيضًا.

وقال سركيس داربينيان، مؤسس مجموعة "روسكومسفوبودا" الروسية المعنية بحرية الإنترنت، إن السلطات تسعى إلى دفع الشركات نحو استخدام مزودي استضافة روس يمكن إخضاعهم للرقابة والتحكم بهم.

ويقدّر أن نحو نصف المواقع الإلكترونية الروسية تعتمد على مزودي استضافة وبنية تحتية أجانب، نظرًا لما يقدّمونه من جودة أعلى وأسعار أكثر تنافسية مقارنةً بنظرائهم المحليين.

وأوضح أن عددًا كبيرًا من المواقع والمنصات العالمية تعتمد على هؤلاء المزودين، ما يعني أن حجبهم يؤدي تلقائيًا إلى حرمان المستخدمين في روسيا من الوصول إلى تلك المواقع.

ومن الاتجاهات الأخرى المثيرة للقلق، بحسب تقرير حديث لمنظمة هيومن رايتس ووتش، اندماج مزوّدي خدمات الإنترنت مع الشركات المسؤولة عن إدارة عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا.

في العام الماضي، رفعت السلطات تكلفة الحصول على ترخيص مزوّد إنترنت من 7500 روبل (نحو 80 يورو) إلى مليون روبل (نحو 10,700 يورو). وتشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من نصف عناوين بروتوكول الإنترنت في روسيا تدار من قبل سبع شركات كبرى، تتصدرها شركة "روستيليكوم"، عملاق الاتصالات والإنترنت التابع للدولة، والتي تستحوذ وحدها على 25 في المائة من هذه العناوين.

ويبذل الكرملين جهودًا حثيثة "لفرض السيطرة على الفضاء الرقمي في روسيا، وفرض الرقابة".

تجريم عمليات البحث "المتطرفة"

أقرّت روسيا قانونًا جديدًا يُجرّم عمليات البحث على الإنترنت عن مواد تُصنَّف بأنها "متطرفة"، وهو تصنيف فضفاض يمكن أن يشمل محتوى يتعلق بالمثليين والمثليات ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيًا، ومجموعات المعارضة، وبعض الأغاني لفنانين ينتقدون الكرملين، إلى جانب مذكرات نافالني التي صُنّفت كـ"متطرفة" الأسبوع الماضي.

ويؤكد المدافعون عن الحقوق أن هذه الخطوة تمثل اتجاهاً لمعاقبة المستخدمين أنفسهم، وليس فقط مقدمي الخدمة، على غرار ما يحدث في بيلاروس، حيث يُغرَّم الأفراد أو يُسجنون بشكل روتيني لمجرد قراءتهم أو متابعتهم بعض وسائل الإعلام المستقلة.

ولا يتوقّع ستانيسلاف سيليزنيف، خبير الأمن السيبراني ومحامي مجموعة "حرية الإنترنت" الحقوقية، أن تشهد البلاد ملاحقات قضائية واسعة النطاق، إذ إن مراقبة عمليات البحث الفردية على الإنترنت في بلد يبلغ عدد سكانه 146 مليون نسمة لا تزال مهمة معقدة، لكنه أشار إلى أن عددًا قليلًا من القضايا قد يكون كافيًا لردع الكثيرين عن الوصول إلى المحتوى المحظور.

وقد تتمثل الخطوة الرئيسية التالية في حظر تطبيق واتساب، الذي بلغ عدد مستخدميه الشهريين في نيسان/أبريل أكثر من 97 مليون مستخدم، بحسب خدمة المراقبة Mediascope.

وقال النائب أنطون غوريلكين إن تطبيق واتساب "يجب أن يستعد لمغادرة السوق الروسية"، مشيرًا إلى أنه سيُستبدل بتطبيق مراسلة "وطني" جديد يُدعى MAX، طورته شركة التواصل الاجتماعي VK. وأضاف أن تطبيق تيليغرام، على الأرجح، لن يواجه قيودًا.

وطُرح تطبيق MAX، الذي جرى الترويج له كمنصة شاملة للمراسلة، والخدمات الحكومية عبر الإنترنت، والمدفوعات وغيرها، للاختبارات التجريبية، إلا أنه لم ينجح بعد في جذب عدد كبير من المستخدمين. ووفقًا لوكالة تاس للأنباء، سجّل أكثر من مليوني شخص في التطبيق حتى تموز/يوليو.

وتنص الشروط والأحكام الخاصة بتطبيق MAX على أنه سيقوم بتسليم بيانات المستخدمين إلى السلطات عند الطلب، في حين يفرض قانون جديد تثبيته مسبقًا على جميع الهواتف الذكية المباعة في روسيا. ويتم تشجيع مؤسسات الدولة والمسؤولين والشركات بشكل فعّال على نقل اتصالاتهم ومدوّناتهم إلى المنصة.

وقالت أناستاسيا زيرمونت، من مجموعة "أكسس ناو" المعنية بالحقوق الرقمية، إن كلاً من تيليغرام وواتساب تعرّضا للتعطيل في روسيا خلال شهر تموز/يوليو، في ما قد يكون اختبارًا لقياس تأثير الحجب المحتمل على البنية التحتية للإنترنت.

ولن يكون ذلك أمرًا مستجدًا، إذ دأبت السلطات في السنوات الأخيرة على اختبار فصل الإنترنت الروسي عن الشبكة العالمية، ما تسبّب أحيانًا بانقطاعات محلية في بعض المناطق.

ويرى داربينيان أن السبيل الوحيد لدفع الناس إلى استخدام تطبيق MAX هو "إغلاق الطريق تمامًا أمام جميع البدائل الغربية المتوفرة". ويُضيف: "لكن مرة أخرى، العادات لا تتغيّر خلال عام أو عامين. فهذه العادات تشكّلت على مدى عقود، حين كان الإنترنت سريعًا ومجانيًا".

وقال داربينيان إن هيئة تنظيم الإعلام والإنترنت الحكومية "روسكومنادزور" باتت تستخدم أساليب أكثر تطورًا، من خلال تحليل شامل لحركة البيانات عبر الإنترنت لتحديد ما يمكن حجبه أو خنقه.

وساعدها في ذلك، وفقًا لكروب، "سنوات من إتقان التكنولوجيا، وسنوات من السيطرة وفهم بنية الإنترنت والجهات الفاعلة فيه"، إلى جانب العقوبات الغربية، وخروج العديد من الشركات من السوق الروسية منذ عام 2022.

وأوضح داربينيان أن روسيا "لم تصل بعد" إلى مرحلة عزل الإنترنت عن بقية العالم، لكن جهود الكرملين "تدفعها تدريجيًا نحو هذا الهدف".