واشنطن ولندن ستُعلنان شراكة تكنولوجية ونووية "تاريخية" خلال زيارة ترامب إلى المملكة المتحدة

في خطوة تُعدّ الأبرز على صعيد العلاقات الثنائية منذ سنوات، تستعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للإعلان عن حزمة اتفاقيات استراتيجية تشمل قطاعي التكنولوجيا المتقدمة والطاقة النووية المدنية، وذلك خلال الزيارة الرسمية الثانية التي يقوم بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بريطانيا هذا الأسبوع.
وتأتي هذه الزيارة، المقررة الأربعاء والخميس، في سياق دبلوماسي واقتصادي متسارع، حيث تسعى لندن لتعزيز الروابط التجارية والاستثمارية مع واشنطن، بينما تأمل في إغلاق ملف حساس يتعلق برسوم الصلب والألومنيوم ضمن إطار اتفاق تجاري أوسع طال انتظاره.
وتعتبر هذه ثاني زيارة لترامب إلى الأراضي البريطانية في أقل من شهرين، بعد أن أمضى وقتًا في اسكتلندا نهاية يوليو الماضي، حيث يملك ملاعب غولف خاصة.
استقبال ترامب
وسيحظى الرئيس ترامب وزوجته ميلانيا، خلال اليوم الأول من الزيارة، ببرنامج رسمي يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، يشمل جولة في قلب لندن بعربات الخيول الملكية، ووليمة رسمية في قصر باكنغهام، وعرض جوي مهيب للطائرات العسكرية الأمريكية والبريطانية، إلى جانب تحية مدفعية تقليدية.
ويُنظر إلى هذا البرنامج كمحاولة بريطانية لاستثمار "القوة الناعمة" للعائلة المالكة في تعزيز التقارب مع البيت الأبيض، خاصة في ظل الأولويات المشتركة في الدفاع والأمن والطاقة.
ستارمر وترامب: تحالف غير متوقع يُثمر شراكات عملية
وسيستضيف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ترامب في مقره الريفي "تشيكرز" يوم الخميس، في لقاء يُتوقع أن يركز على تعزيز التعاون في الملفات الدولية، وعلى رأسها الدعم المشترك لأوكرانيا، إلى جانب إتمام الاتفاق المعلق بشأن خفض التعريفات الجمركية على منتجات الصلب والألومنيوم.
ومن المقرر أن يُوقّع الزعيمان على ما وصفه مكتب ستارمر بـ"شراكة تقنية رائدة عالميًا"، تشمل اتفاقيات استثمارية تُقدّر بمليارات الدولارات لتطوير مشاريع نووية صغيرة الحجم والتي من المتوقع أن تُستخدم في تزويد مراكز البيانات الضخمة، خاصة تلك العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالطاقة النظيفة والمستدامة.
وقال متحدث باسم ستارمر للصحفيين: "العلاقة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة هي الأقوى في العالم. ونحن هذا الأسبوع نحقق نقلة نوعية في هذه العلاقة."
ويمثل هذا التقارب مفارقة سياسية لافتة، إذ يجمع بين ستارمر التكنوقراط الاشتراكي الذي يُعرف بأسلوبه المنضبط وترامب السياسي الشعبوي الذي يفخر بعدم قابليته للتنبؤ، والذي دفع الحزب الجمهوري نحو مزيد من الانحياز اليميني.
ومع ذلك، فقد نجح الرجلان في تجاوز الخلافات الأيديولوجية، وبناء علاقة عمل فاعلة، كان أبرز مظاهرها موافقة ستارمر كأول زعيم عالمي على إبرام اتفاق اقتصادي مع ترامب يشمل خفض الرسوم الجمركية العالمية.
تفاصيل اقتصادية معلقة
وبموجب الاتفاق الأوسع، أعلنت الولايات المتحدة نيتها خفض التعريفات على واردات السيارات والصلب والألومنيوم. وقد تم بالفعل التوصل إلى تفاهمات نهائية بشأن السيارات في يونيو الماضي، لكن الملف الأصعب المتعلق بالصلب والألومنيوم لا يزال قيد التفاوض.
وأكد وزير الأعمال البريطاني بيتر كايل في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يوم الأحد أن بلاده "ستحرص على الإعلان عن الاتفاق في أسرع وقت ممكن".
استثمارات أمريكية ضخمة تسبق الزيارة
وفي استباق للزيارة، أعلنت الحكومة البريطانية السبت عن حزمة استثمارات أمريكية جديدة تتجاوز 1.25 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 1.69 مليار دولار)، من شركات كبرى مثل "باي بال" و"بنك أوف أمريكا".
ومن المتوقع وفق مصادر مطلعة طلبت عدم الكشف عن هويتها أن تُعلن شركتا "إنفيديا" و"أوبن إيه آي" عن استثمارات كبيرة في بريطانيا ضمن إطار الشراكة التكنولوجية الجديدة.
وأعلنت شركة "كور وييف" الأمريكية المتخصصة في الحوسبة السحابية عن نيتها الاستثمار في السوق البريطانية خلال الأسبوع الجاري، في خطوة تعكس الثقة المتزايدة بالبيئة التنظيمية والتكنولوجية في المملكة المتحدة.
إقالة ماندلسون: ظلٌ ثقيل على الزيارة
إلا أن هذه الأجواء الإيجابية تُخيم عليها سحابة دبلوماسية ثقيلة، تمثلت في قرار ستارمر المفاجئ بإقالة سفيره لدى واشنطن، اللورد بيتر ماندلسون، قبل أقل من عام على تعيينه، بسبب علاقاته مع المُدان الأمريكي الراحل جيفري إبستين، المتهم بالاعتداء الجنسي.
وتشكل هذه الخطوة إحراجًا كبيرًا للحكومة البريطانية، وقد تُعقّد المحادثات الدبلوماسية المرافقة للزيارة، خاصة أن وفدًا بريطانيًا رفيعًا سيتوجه إلى واشنطن الاثنين لوضع اللمسات الأخيرة على ترتيبات استقبال ترامب.
وإلى جانب الملفات الاقتصادية والتكنولوجية، سيُعلن خلال الزيارة عن مبادرات لتعزيز الروابط الثقافية بين البلدين، تشمل دعمًا مُوسّعًا لانتشار لعبة كرة السلة في بريطانيا، وتطوير شراكات بين المؤسسات التراثية والفنية في البلدين وفقا للمتحدث باسم ستارمر.
Today