أطباء ينتقدون تصريحات ترامب حول الأسيتامينوفين: تجاهل الحمى يعرّض الحوامل وأجنتهن لمخاطر مؤكدة

رفض أطباء وخبراء صحة عامة في الولايات المتحدة وحول العالم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي دعا فيها النساء الحوامل إلى تجنّب تناول عقار الأسيتامينوفين (المكوّن النشط في تايلينول) والاعتماد على "التغلّب على" الحمى أو الألم، محذّرين من أن هذه الرسالة قد تدفع الحوامل إلى تجنّب علاج آمن وضروري، مما يعرّض الأم والجنين لمخاطر صحية مثبتة.
أطلق ترامب تصريحاته يوم الاثنين قائلاً إن على الحوامل تجنّب الأسيتامينوفين لأنه "ليس هناك جانب سلبي في عدم تناوله"، وزعم – من دون تقديم أي أدلة علمية جديدة – أن الدواء قد يرتبط بزيادة خطر التوحّد لدى الأطفال.
واقترح أن تتحمّل النساء الحوامل الحمى أو الألم وألا يلجأن إلى تناوله إلا إذا كنّ "غير قادرات على التغلّب عليه".
رد طبي فوري: الحمى غير المعالجة خطر مثبت
في اليوم التالي، غمرت العيادات أسئلة قلقة من حوامل يخشين أن يكون تناولهن تايلينول قد "أذى أطفالهن".
وقالت الدكتورة رانا أليسا، طبيبة الأطفال في جاكسونفيل ورئيسة فرع فلوريدا للأكاديمية الأميركية لطب الأطفال: "كانت النساء الحوامل يسألن بنشاط: ماذا علي أن أفعل؟ هل تناولت تايلينول الشهر الماضي؟ هل أذيت طفلي؟"
وأكدت الدكتورة راشيل بليك، طبيبة أمراض النساء والتوليد في نيويور ونيوجيرسي، أنها أمضت يومًا كاملاً في طمأنة المريضات: "لم يكن هناك أي بحث جديد يستدعي تغيير التوجيهات الحالية".
الحمى تهدد الجنين أكثر من الدواء
شدد الدكتور ستيفن فليشمان، رئيس الكلية الأميركية لأطباء التوليد وأمراض النساء، على أن "فكرة ترك امرأة حامل مصابة بالحمى لتتغلّب على الأمر قد يكون لها آثار أسوأ بكثير من تناول جرعة من الأسيتامينوفين."
وأوضح أن الحمى، خصوصًا في الأسابيع الأولى من الحمل، "مرتبطة بمشاكل في القلب، والشفة الأرنبية، والحنك المشقوق، واضطرابات الجهاز العصبي المركزي".
وأضاف: "لا ينبغي لك، تحت أي ظرف، تجنّب تناول الأسيتامينوفين إذا كنت تعانين من الحمى في وقت مبكر من الحمل، أو من صداع، أو أي حالة أخرى تتطلب العلاج".
لا علاقة سببية بين الأسيتامينوفين والتوحّد
استند الأطباء في موقفهم إلى أدلة علمية قوية، ففي دراسة نُشرت العام الماضي وشملت 2.5 مليون حالة حمل، لم يُعثر على أي زيادة في خطر الإصابة بالتوحّد لدى الأطفال الذين تناولت أمهاتهم الأسيتامينوفين.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، الدكتور فيكتور إتش أهلكفيست من معهد كارولينسكا في السويد: "الأسيتامينوفين لا يزال الخيار الموصى به للاستخدام أثناء الحمل."
وأكد الدكتور فليشمان: "الأدلة الساحقة على مدى العقدين الماضيين لا تُظهر أي علاقة سببية بين الأسيتامينوفين والتوحّد."
تحذير من بدائل خطيرة
حذّرت الدكتورة سيلين جوندر، المساهمة الطبية في شبكة CBS News ورئيسة تحرير الصحة العامة في KFF Health News، من أن تخويف النساء من تايلينول قد يدفعهن إلى استخدام أدوية أخرى مثل الإيبوبروفين أو الأسبرين، التي "قد تكون خطيرة بالفعل، خاصة في الثلث الثالث من الحمل، وقد تؤدي إلى مشاكل في الكلى أو القلب لدى الجنين".
واتفقت معها الدكتورة شوشانا أونجرلايدر، طبيبة الطب الباطني، قائلة: "العلم لا يدعم ادعاءات ترامب. الأمر الأكثر خطورة هو ترك الحمى دون علاج أثناء الحمل، وهو ما قد يضر الأم والطفل على حد سواء. لذلك، يظل تايلينول الخيار الأكثر أمانًا لدينا في مثل هذه المواقف".
موقف دولي موحّد: لا دليل على الضرر
لم تقتصر الانتقادات على الأوساط الأميركية. فقد أعلنت وكالة الأدوية الأوروبية أنه "لا يوجد دليل جديد" يستدعي تغيير التوصيات الحالية. وقال كبير المسؤولين الطبيين في الوكالة، ستيفن ثيرستروب: "يظل الباراسيتامول خيارًا مهمًا لعلاج الألم أو الحمى لدى النساء الحوامل... ولم نجد أي دليل على أنه يسبب التوحّد".
كما أصدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، ومنظمة الصحة العالمية، والهيئات الصحية البريطانية بيانات مماثلة، أكدت فيها غياب علاقة سببية مثبتة.
تصريحات مثيرة للجدل
رأى الأطباء أن تصريحات ترامب لا تهدّد الصحة فحسب، بل تعيد إنتاج خطاب يُلقي اللوم على النساء. وقالت الدكتورة لاكي سيخون، أخصائية أمراض النساء في نيويورك: "رسالة ’التغلّب على الأمر‘ هي شيء قلناه للأسف للنساء في هذا البلد لفترة طويلة جدًا".
وقال الدكتور سيندو سرينيفاس، رئيس جمعية طب الأم والجنين: "ربط الأسيتامينوفين بالتوحّد يُلقي اللوم على النساء الحوامل، اللواتي يعانين أصلًا من قدرٍ كبير من القلق والشعور بالذنب." وأضاف أن بعض الدراسات التي يُستند إليها في هذا السياق "تفشل في أخذ الحمى نفسها — التي ارتبطت بالتوحّد — كعامل مربك قد يفسّر العلاقة الظاهرية".
نصيحة طبية واضحة
ورغم التحذيرات من الاستخدام غير الضروري، يؤكد الأطباء أن الأسيتامينوفين يُستخدم "عند الحاجة"، وليس كدواء روتيني. وينصح الدكتور فليشمان بتناوله عند ارتفاع درجة الحرارة فوق 100.4 فهرنهايت، موضحًا أن "جرعة واحدة (500 ملغ) تكون أكثر من كافية في معظم الحالات".
وقالت الدكتورة فيرونيكا جيليسبي بيل، طبيبة التوليد المعتمدة: "جميع البيانات تُظهر أن تايلينول آمن، ولا توجد دراسات تثبت أنه يسبب التوحّد." وعبّرت عن قلقها من أن "تحذيرات غير مدعومة علميًا قد تزرع الخوف، مما يؤدي إلى عواقب صحية خطيرة".
Today