موسكو تتّهم الدول الغربية بالسعي لـ "تعطيل" مفاوضات السلام مع أوكرانيا

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأحد، الدول الغربية بالسعي المتعمّد إلى "تعطيل" مسار المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، محمّلاً إياها مسؤولية الجمود الدبلوماسي الذي يشهده الملف منذ أسابيع. وجاءت تصريحات لافروف في وقت تتكثّف فيه الجهود الدبلوماسية من عدة أطراف إقليمية ودولية للتوصل إلى صيغة اتفاق توقف القتال الدائر منذ عام 2022، لكنها لا تزال تصطدم بخلافات جوهرية بين موسكو وكييف، وفق ما أوردته القناة الروسية العامة عبر "تلغرام".
اتهامات متبادلة
قال لافروف خلال المقابلة إن "كل ما يقوم به الغرب هو البحث عن ذرائع لتعطيل المفاوضات، في محاولة واضحة لإبقاء النزاع مفتوحاً واستنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً"، مضيفاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "يتعنّت ويضع شروطاً تعجيزية"، في إشارة إلى مطالبه المتكررة بعقد لقاء مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "بأي ثمن". وأوضح الوزير الروسي أن "مثل هذا الإصرار لا يخدم العملية السياسية التي أسّس لها الرئيسان بوتين وترامب وحققت نتائج جيدة للغاية في مراحلها الأولى".
وأضاف لافروف: "نأمل أن يتم إحباط هذه المحاولات".
دعوات أميركية للقاء مباشر
كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دعا مراراً إلى ترتيب لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي لتسريع مسار المفاوضات، معتبراً أن "الحوار المباشر هو الطريق الأقصر للوصول إلى تسوية". غير أن هذه الدعوات لم تلقَ تجاوباً ملموساً، إذ تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بالتهرّب من عقد هذا اللقاء.
وأعلن لافروف، الجمعة، أنه "لا توجد حالياً أي خطط لعقد اجتماع بين بوتين وزيلينسكي"، فيما قال زيلينسكي مطلع الأسبوع إن "روسيا تهرّبت مراراً من عقد اللقاء".
مواقف متصلبة وتعقيدات ميدانية
تصر موسكو على أن أي نقاش حول الضمانات الأمنية "يجب أن يشملها مباشرة"، محذّرة في الوقت ذاته من أن أي انتشار لقوات أوروبية أو أطلسية في الأراضي الأوكرانية سيكون "غير مقبول إطلاقاً وسيُعامل كتصعيد مباشر". وتقول مصادر روسية إن كييف، بدعم من حلفائها، تحاول "إملاء شروط أحادية الجانب" تتعلق بترتيبات وقف إطلاق النار، في حين ترى أوكرانيا أن موسكو "تستخدم الملف الأمني ذريعة لتأجيل التسوية".
جمود دبلوماسي رغم الضغوط
يشير مراقبون إلى أن الملف الأوكراني دخل مرحلة من الجمود السياسي رغم الضغوط الدولية المتزايدة، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي الذي يسعى إلى تجنّب اتساع رقعة النزاع أو تحوله إلى حرب مفتوحة تشمل دولاً أخرى. ومع ذلك، يرى دبلوماسيون غربيون أن فرص العودة إلى طاولة المفاوضات لا تزال قائمة إذا ما تم التوصل إلى صيغة وسطية توازن بين مطالب كييف الأمنية وضمانات موسكو الاستراتيجية.
ويؤكد مسؤولون مطّلعون على مسار الاتصالات أن إدارة ترامب لا تزال تضغط لإعادة إطلاق الحوار المباشر بين الجانبين قبل نهاية العام، لكنهم يقرّون بأن الطريق إلى أي اتفاق سيكون "طويلاً ومعقداً" في ظل تباعد المواقف وتبادل الاتهامات بين الطرفين.
خلافات متجذرة
ويرى خبراء أن العقبات الأساسية أمام أي اتفاق تتمثل في إصرار موسكو على الاحتفاظ بمكاسبها الميدانية في الشرق والجنوب الأوكراني، مقابل تمسك كييف بانسحاب كامل للقوات الروسية وعودة السيطرة على جميع أراضيها المعترف بها دولياً. كما تبرز قضية الضمانات الأمنية كأحد أعقد الملفات، حيث تطالب أوكرانيا بضمانات بمشاركة قوى دولية رئيسية، بينما تصر روسيا على أن أي اتفاق لا بد أن يحترم "موازين القوى الجديدة على الأرض".
تصريحات لافروف الأخيرة تعكس حجم التعقيد الذي يطغى على المشهد السياسي، مع تشابك مصالح دولية وإقليمية تجعل الوصول إلى تسوية شاملة أمراً بالغ الصعوبة. وبينما تتواصل الاتصالات غير المعلنة بين العواصم الكبرى، يبقى المدنيون الأوكرانيون والروس على حد سواء يدفعون ثمن الحرب، فيما يراقب المجتمع الدولي بحذر مسار الأزمة التي تهدد استقرار أوروبا والعالم بأسره.
Today