فرنسا على صفيح ساخن: تصويت بحجب الثقة يهدد حكومة بايرو ويزيد مأزق ماكرون

تواجه فرنسا أزمة سياسية غير مسبوقة بعد أن أعلن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو عن طلب تصويت بحجب الثقة حول خطته لخفض الدين العام، في خطوة قد تقود إلى سقوط حكومته أو الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة.
وشهدت الأسواق الفرنسية تراجعًا حادًا يوم الاثنين عقب الإعلان المفاجئ، حيث انخفض مؤشر الأسهم البارزة "CAC40" بنسبة 2% في بداية التداول، بينما تراجعت أسهم البنوك الكبرى مثل "بي إن بي باريباس" و"سوسيتيه جنرال" بأكثر من 6%. كما ارتفعت عائدات السندات الحكومية لمدة 10 سنوات إلى 3.53%، وهي الأعلى منذ مارس، قبل أن تستقر عند 3.50%.
موقف المعارضة
ولم تتردد الأحزاب المعارضة الرئيسية في التأكيد على أنها ستُصوت ضد الحكومة، مما يجعل سقوطها أمرًا شبه مؤكد ما لم يتم التوصل إلى اتفاق. وقال وزير الداخلية برونو ريتيلو، الذي يقود حزب الجمهوريين المحافظين: إن التصويت لصالح سقوط الحكومة سيكون "غير مسؤول" و"ضد مصلحة فرنسا". ومع ذلك، الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، بقيادة مارين لوبان، اعتبرت أن بايرو أعلن بطريقة غير مباشرة نهاية حكومته، ودعت إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
وفي هذا السياق، قال مصدر مقرب من لوبان لوكالة رويترز: "لا أرى أي رئيس وزراء جديد لن يتم سحب الثقة منه على الفور". أما الاشتراكيون، الذين يمثل تصويتهم عنصرًا حاسمًا، فقد أكدوا أنهم سيصوتون ضد بايرو أيضًا.
وقال الزعيم البرلماني الاشتراكي بوريس فالو عبر منصة X: "نحتاج إلى رئيس وزراء مختلف، وأهم من ذلك، إلى سياسة مختلفة".
من جهته، قال وزير العدل جيرالد دارمانان في مقابلة مع قناة "فرنسا 2" إنه رغم محاولات الحكومة التوصل إلى اتفاق وسط بشأن الميزانية، فإنه "لا يمكن استبعاب" سيناريو حل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، وهو الخيار الذي كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أكد في تصريحات سابقة أنه لا يفضله.
احتجاجات شعبية
وسيتزامن التصويت على الثقة مع دعوات لاحتجاجات شعبية أطلقتها مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض النقابات والمعارضة اليسارية. وتعيد هذه الخطوة للأذهان ذكرى حركة "السترات الصفراء"، التي بدأت في عام 2018 كاحتجاج ضد زيادات أسعار الوقود وتكاليف المعيشة، قبل أن تتحول إلى حركة أوسع ضد الرئيس إيمانويل ماكرون وسياساته الاقتصادية.
خيارات ماكرون
وفي حال سقوط الحكومة، يملك ماكرون عدة خيارات: يمكنه تعيين رئيس وزراء جديد فورًا، أو الإبقاء على بايرو كرئيس لحكومة تصريف أعمال، أو الدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة. ومع ذلك، يبدو أن الخيار الأخير غير مرجح، إذ أكد ماكرون مؤخرًا أنه لا يفضل الانتخابات المبكرة.
يذكر أن الرئيس إيمانويل ماكرون فقد آخر رئيس وزراء له، ميشيل بارنييه، في تصويت بحجب الثقة حول مشروع الميزانية في أواخر عام 2024. وكان بارنييه قد تولى المنصب لمدة ثلاثة أشهر فقط، وذلك بعد انتخابات برلمانية مبكرة أجريت في يوليو من نفس العام.
وفي يونيو من العام الماضي، قال ماكرون إن الدعوة إلى انتخابات مبكرة كانت تهدف إلى "تحديد موقف سياسي واضح"، وهي نفس العبارة التي استخدمها فرانسوا بايرو لتبرير خطوته بالدعوة إلى تصويت بحجب الثقة.
وفي حال تنظيم انتخابات مبكرة، تشير استطلاعات الرأي إلى أن البرلمان الجديد سيظل منقسمًا دون أغلبية واضحة لأي معسكر سياسي. وفقًا لتحليل شركة "كابيتال إيكونوميكس"، فإن العجز المالي لفرنسا سيظل مرتفعًا جدًا، مما يجعل تحقيق استقرار نسبة الدين أمرًا بعيد المنال.
Today