لماذا تستهدف إسرائيل الأبراج السكنية في مدينة غزة؟

شهدت مدينة غزة، السبت، قصف برج السوسي ليصبح أحدث المباني الشاهقة المستهدفة. وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، أن تحذيرًا وُجه لإخلاء أحد المباني قبل تدميره عبر غارات جوية.
وفي بيان لاحق، أعلن الجيش أنه قصف "مبنى متعدد الطوابق كانت تستخدمه حركة حماس كوسيلة استطلاع لمراقبة مواقع القوات الإسرائيلية"، مضيفًا أن الحركة أقامت بنية تحت أرضية قرب المبنى "لتنفيذ مخططات إرهابية".
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس نشر مقطع فيديو على منصة "إكس" يوثق تدمير أحد المباني، مرفقًا إياه بكلمة "مستمرون"، بعد أن كتب في اليوم السابق "بدأنا" عقب تدمير برج آخر في غرب غزة. وأكد كاتس أن "أبواب الجحيم فُتحت في غزة"، متوعدًا بتكثيف العمليات حتى "قبول حماس بشروط إسرائيل".
أسباب استهداف الأبراج وفق الجيش الإسرائيلي
قال الجيش الإسرائيلي إنه بصدد استهداف أبراج إضافية "تحولت إلى بنى تحتية إرهابية"، تشمل كاميرات مراقبة، مواقع قنص، منصات صواريخ مضادة للدروع، إضافة إلى مراكز قيادة وسيطرة. وأوضح أن هذه المباني متصلة بأنفاق تحت الأرض تسمح بوضع كمائن وتوفير طرق هروب. كما أشار إلى زرع عبوات ناسفة معدة للتفجير عن بُعد قرب بعض المباني.
نفي فلسطيني
من الجانب الفلسطيني، نفت إدارة برج مشتهى الذي دُمّر الجمعة وجود أي تجهيزات عسكرية داخله، مؤكدة أن المبنى كان يضم نازحين فقط.
وقال إسماعيل الثوابتة، المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن استهداف الأبراج السكنية "يعكس سياسة ممنهجة للتهجير القسري"، مؤكدًا أن القانون الدولي يلزم إسرائيل بإثبات وجود هدف عسكري محدد واتخاذ احتياطات لحماية المدنيين، "وهو ما لم يحدث". واعتبر أن هذه الهجمات "ترقى إلى جرائم حرب تؤدي إلى تهجير جماعي".
وأشار الثوابتة إلى أن مدينة غزة تضم أكثر من 914 ألف نسمة ونحو 51 ألف مبنى متعدد الطوابق، معتبرًا أن القصف يستهدف "إحداث ضغط ديموغرافي ونفسي على السكان لإجبارهم على النزوح".
حركة حماس أعلنت أن تدمير أبراج جديدة في مدينة غزة يندرج ضمن ما وصفته بسياسة "ممنهجة" تستهدف الأبنية السكنية وتهدف إلى "تهجير السكان قسراً". وأشارت الحركة في بيانها إلى أن التهديد باستهداف مزيد من الأبراج يمثل، بحسب تعبيرها، محاولة متواصلة للضغط على المدنيين ودفعهم إلى النزوح.
وطالبت حماس الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحرك الفوري لوقف ما سمته "الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف تدمير مدينة غزة وتهجير سكانها"، مؤكدة أن المجتمع الدولي مطالب بتحمّل مسؤولياته تجاه حماية المدنيين ووقف التصعيد.
الكلفة الإنسانية
ضرب الأبراج في مدينة يسكنها قرابة مليون إنسان اليوم، كثير منهم نازحون، يعني انهيارات إنسانية إضافية وتشريد واسع. منظمات حقوقية تحذّر من أن الهجوم الراهن على غزة المدينة "سيُرسّخ تهجيرًا قسريًا" ويُفاقم المجاعة، وتربطه بسياق أوسع من القيود والعقوبات الجماعية التي تُعد غير قانونية.
الدافع المعلن هو تفكيك "بُنى عسكرية" مزعومة داخل أو حول الأبراج المرتفعة. أما المعضلة القانونية تتركز حول أنه حتى مع وجود استخدام عسكري جزئي، تُلزم قواعد الحرب بتقييم دقيق لـ "التدابير والإجراءات"، وهو ما تقول منظمات حقوقية إن إسرائيل تُخفق فيه مرارًا.
وبالمحصلة الإنسانية، فإن تدمير أبراج مكتظة في سياق مجاعة ونزوح متكرر يضاعف الأكلاف على المدنيين ويغذّي اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة، بينما تؤكد إسرائيل أنها تحذر وتستخدم ذخائر دقيقة وأن مسؤولية تعريض المدنيين للخطر تقع على حماس إذا تمترست داخل الأبراج.
نحو "المنطقة الإنسانية"
تتزامن الغارات مع مساعٍ إسرائيلية لدفع السكان جنوبًا. وبحسب أدرعي، تم تحديد منطقة المواصي في خان يونس "كمنطقة إنسانية" تحتوي على بنى تحتية طبية ومياه وخيم وأغذية. في المقابل، اتهم المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني، محمود بصل، إسرائيل بتنفيذ "سياسة تهجير قسري عبر استهداف المباني المرتفعة".
سياسة قديمة تتكرر
استهداف الأبراج ليس جديدًا؛ ففي عام 2021 دمّرت إسرائيل برج الجلاء الذي كان يضم مكاتب إعلامية دولية، بينها قناة الجزيرة و"بي بي سي"، بدعوى استخدامه من قبل حماس. كما كان برج فلسطين أول الأبراج المستهدفة في الحرب الحالية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أهداف عسكرية وسياسية
تدمير الأبراج يندرج ضمن سياسة إسرائيل للتمهيد للسيطرة على مدينة غزة، وهو ما صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية بهدف "القضاء على حماس" وإقامة سلطة مدنية بديلة تؤمن السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع.
وأعلن رئيس الأركان إيال زامير الأربعاء انطلاق "المرحلة الثانية من عملية عربات جدعون"، مؤكداً أنها تهدف إلى تحقيق أهداف الحرب وإعادة الأسرى.
في المقابل، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي يعاني من نقص في العتاد، إذ إن ما بين 30% إلى 40% من الجرافات غير صالحة للعمل، وقطع الغيار للدبابات وناقلات الجند ما زالت شحيحة.
الموقف الأميركي
على الصعيد الدولي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة إن "عددًا من الرهائن المحتجزين في غزة قد يكون قد قضى"، مؤكداً أن الولايات المتحدة منخرطة في "مفاوضات معمّقة" مع حماس.
Today