تقرير أممي يتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة وتل أبيب تصفه بأنه "مشوّه وكاذب"

في تقرير من 72 صفحة صدر، الثلاثاء، وجدت اللجنة، التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن إسرائيل "ارتكبت أربعة أعمال إبادة جماعية" في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما شنت حركة حماس هجمات على إسرائيل وردت تل أبيب بشنّ حملتها العسكرية على القطاع.
قتل الفلسطينيين
ووفقًا للتقرير، تشمل هذه الأعمال قتل فلسطينيين في غزة، وإلحاق "أذى جسدي ونفسي خطيريْن" بهم، و"فرض ظروف معيشية متعمدة على المجموعة السكانية بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا"، و"فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل هذه المجموعة".
وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، قُتل ما يقرب من 65 ألف فلسطيني في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
التقرير أصدرته لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل.
ترأس اللجنةَ - وهي لجنة تحقيق دولية مستقلة ومستمرة أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عام 2021 - نافي بيلاي، المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، والقاضية السابقة في الجنائية الدولية، والقاضية السابقة ورئيسة المحكمة الجنائية الخاصة برواندا التابعة للأمم المتحدة.
وقدّمت اللجنة عدة أمثلة على استهداف مدنيين فلسطينيين وصحفيين وعاملين في مجال الرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية بشكل مباشر وقتلهم في غزة. وأضافت أن عمليات القتل هذه وقعت في أماكن تضم منازل ومستشفيات ومدارس ومباني دينية، سواء داخل مناطق آمنة مُحدّدة أو خارجها.
رفض إسرائيلي
أكدت الحكومة الإسرائيلية أنها تُدير الحرب في غزة دفاعًا عن النفس ووفقًا للقانون الدولي، نافيةً بشدة اتهامات الإبادة الجماعية.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان يوم الثلاثاء: "ترفض إسرائيل رفضًا قاطعًا التقرير المشوّه والكاذب، وتدعو إلى إلغاء لجنة التحقيق فورًا". ووصفت التحقيق بأنه "تقرير يعتمد كليًا على أكاذيب حماس"، واتهمت مُعدّيه بالعمل بالوكالة عن الجماعة المسلحة "التي أُدينت تصريحاتها المُروّعة عن اليهود عالميًا".
ولطالما اتهمت إسرائيل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذي كُلّف بإعداد التقرير، بالتحيز ضدّ إسرائيل.
دعمت إدارة ترامب الدولة العبرية، وانسحبت من المجلس عام 2018 خلال ولاية الرئيس الأمريكي الأولى، وقبل أن تتخذ نفس الخطوة في الشهر الأول من الولاية الثانية. ودأبت إسرائيل على التأكيد على أنها تتصرّف وفقًا للقانون الدولي.
لكن اتهامات الإبادة الجماعية تتزايد دوليًا، بما في ذلك من داخل الولايات المتحدة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرّح الاتحاد الدولي لعلماء الإبادة الجماعية - أكبر هيئة عالمية لعلماء الإبادة الجماعية - بأن تل أبيب ترتكب إبادة جماعية في غزة.
وفي ديسمبر 2023، اتهمت حكومة جنوب أفريقيا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في قضية غير مسبوقة أمام الجنائية الدولية، قائلةً إن قيادة البلاد "عازمة على تدمير الفلسطينيين في غزة".
ويأتي التقرير الأممي في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل توغلًا بريًا في مدينة غزة بعد أسابيع من القصف على الرغم من الإدانة الدولية المتزايدة.
هند رجب
أشار التحقيق إلى مقتل الطفلة هند رجب، البالغة من العمر خمس سنوات، وأفراد عائلتها في يناير/ كانون الثاني 2024، كمثال على إقدام قوات الأمن الإسرائيلية على قتل المدنيين رغم "معرفتها الواضحة بوجود مدنيين فلسطينيين على طول طرق الإخلاء وداخل المناطق الآمنة".
وأضاف التقرير: "أطلقوا النار على المدنيين وقتلوهم، وكان بعضهم (بمن فيهم أطفال) يرفعون رايات بيضاء. وأصيب بعض الأطفال، بمن فيهم صغار، برصاص القناصة في رؤوسهم".
وإلى جانب إطلاق النار على المدنيين، تعمدت القوات الإسرائيلية "قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة باستخدام ذخائر واسعة التأثير تسببت في أعداد كبيرة من القتلى"، وفقًا للتقرير.
قالت اللجنة إن هذه الذخائر استُخدمت رغم العلم بأنها ستقتل مدنيين. وأضافت: "لم يُستهدف ضحايا القصف كأفراد أو كضحايا فرديين. بل على العكس، استُهدف الضحايا جماعيًا بسبب هويتهم كفلسطينيين".
حجب المساعدات "بهدف عسكري"
فرضت إسرائيل حصارًا دام سنوات على غزة قبل هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما فرض قيودًا شديدة على دخول الإمدادات إلى القطاع. لكن بعد هجوم حماس، فرضت إسرائيل "حصارًا شاملًا" على القطاع، مما كان له "تأثير كارثي على الظروف المعيشية للفلسطينيين في غزة"، وفقًا للتقرير.
وأضاف التقرير: "لقد حوّلت إسرائيل حجب الضروريات الحياتية إلى سلاح، وتحديدًا من خلال قطع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء والوقود وغيرها من الإمدادات الأساسية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية".
في أغسطس، أعلنت لجنة مدعومة من الأمم المتحدة عن وجود مجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، قائلةً إن أكثر من نصف مليون شخص قد تضرروا.
وقال التقرير الأممي الصادر يوم الثلاثاء إن قرار إسرائيل بالسماح بدخول كمية صغيرة من المساعدات إلى غزة كان "واجهة" لتضليل المجتمع الدولي في ظل استمرارها في "فرض المجاعة وظروف معيشية غير إنسانية على الفلسطينيين".
ونفى نتنياهو مراراً وتكراراً حدوث مجاعة في غزة. وفي أوائل أغسطس/ آب، قال: "إسرائيل لا تتبع سياسة تجويع. إسرائيل تتبع سياسة منع المجاعة"، مشيراً إلى أن إسرائيل سمحت بدخول أكثر من مليوني طن من المساعدات إلى غزة منذ بدء الحرب.
طفولة "مدمرة"
كما شكك التقرير في أهداف الحرب الإسرائيلية، قائلاً إن "الاستهداف المتعمد والمكثف للأطفال الفلسطينيين" دليل على أن العمليات العسكرية لا تُشن فقط لهزيمة حماس، بل "لتدمير الجماعة (الفلسطينية) جسديًا من خلال القضاء ليس فقط على أطفال اليوم، بل أيضًا على إمكانية إنجابهم أطفالًا في المستقبل".
وأضاف أن أطفال غزة يعانون نفسيًا وجسديًا.
وأضاف التقرير أن المجاعة واسعة النطاق تعني أيضًا أن الأطفال "غير قادرين على تطوير مهارات الكلام والوصول إلى مراحل تعلّم اللغة"، وقد يواجهون مشاكل معرفية محتملة طويلة الأمد.
وأضافت اللجنة أن إسرائيل رفضت أيضًا دخول الحليب الصناعي وحليب الأطفال الخاص إلى غزة، مما أدى إلى "تجويع المواليد الجدد والرضع".
"تعذيبٌ ذو طابعٍ جنسي"
وأفاد التقرير بأن قوات الأمن الإسرائيلية "ارتكبت عنفًا جنسيًا وعنفًا قائمًا على النوع الاجتماعي"، بما في ذلك "الاغتصاب والتعذيب ذو الطابع الجنسي وأشكالٌ أخرى من العنف الجنسي، ليس فقط كعقابٍ للأفراد، بل كجزءٍ من نمطٍ من العقاب الجماعي يهدف إلى تمزيق نسيج الشعب الفلسطيني وإذلاله وإخضاعه برمته".
وأضافت اللجنة: "يتجلى هذا جليًا من خلال محتوى الجنود الإسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أظهروا أنفسهم بوضوحٍ وهم يرتكبون أعمالًا تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم".
وأفاد التقرير بأنه استمع إلى شهاداتٍ من العديد من الفلسطينيين الذين قالوا إنهم تعرضوا للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء احتجازهم، بما في ذلك شهادة أحد المعتقلين الذي قال إنه تعرض للضرب المبرح على أعضائه التناسلية لدرجة أنه فقد وعيه.
زعماء إسرائيليون "حرضوا على الإبادة الجماعية"
اتهم التقرير نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بالتحريض على الإبادة الجماعية.
ذكر التقرير أنه "منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أدلى مسؤولون إسرائيليون بتصريحات أشارت إلى نيتهم إبادة الفلسطينيين في غزة كمجموعة".
وأضاف التقرير أن "القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يخدمون دولة إسرائيل؛ وبالتالي، تُنسب أفعالهم إليها"، مضيفًا أن "السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية كانت ولا تزال لديها نية إبادة جماعية لإبادة الفلسطينيين في قطاع غزة، كليًا أو جزئيًا".
Today