تفجيرات البيجر تجعل لبنان من بين الدول الأعلى عالميًا في معدلات الإصابة بفقد البصر

قد يكون اللبنانيون قد خرجوا بعد الحرب مع إسرائيل في أيلول الماضي بأسئلة أكثر من الإجابات، إذ تركت تلك المعركة، التي أطلقت عليها الدولة العبرية اسم "سهام الشمال"، لبنان والعالم في حالة ذهول يصعب تجاوزها، نتيجة التفوق التكنولوجي الذي أظهرته إسرائيل في المواجهة مع حزب الله في أكثر من جولة.
ومع ذلك، يبقى يوم 17 سبتمبر 2024 استثنائيًا وغير عادي. فلو سألنا اللبنانيين عن شعورهم في ذاك النهار، لوصفوه بأنه تجربة شبه سريالية، مشهد مأخوذ من فيلم هوليوودي مع تحوّل ظهيرة يوم عادي فجأة إلى فوضى مروّعة، بدأت فيها أجهزة الاستدعاء تصدر أصواتها في كل أنحاء لبنان، لتنفجر بعد لحظات في أماكن متعددة وفي نفس الوقت، ليسقط آلاف الجرحى في الأسواق والمحلات والمنازل.
وقد غطّت الدماء الشوارع، وعمّت الصرخات، وبدت وجوه المشاهدين متجمدة من الرعب، عاجزة عن استيعاب حجم ما كان يحدث.
وعلى خلاف العديد من العمليات العسكرية الأخرى، تظل عملية تفجيرات البيجرز حاضرة في الذاكرة اليومية للبنانيين، سواء في المقاهي أو الطرقات أو المنازل. إذ أصبحت الإصابات البصرية علامة مميزة، تشير أحيانًا إلى انتماء المصاب أو عائلته لحزب الله، بعد أن كان هذا التفصيل سرّيًا في السابق.
العملية التي أسفرت عن 37 حالة وفاة و3,000 إصابة، تباينت ردود الفعل حولها، إذ اعتبرها البعض، إلى جانب خبراء أمميين، جريمة حرب، نظرًا لاستهدافها عسكريين في مواقع مدنية أو خارج الخدمة.
ومع ذلك، لا تزال هذه الهجمات حتى اليوم محط اهتمام علماء النفس والصحة، بوصفها حدثًا غير مسبوق، لا سيما فيما يتعلق بتأثيراتها على الصحة البصرية وتزايد حالات العمى في لبنان.
8 آلاف إعاقة بصرية في لبنان
وقد نقلت تقارير لبنانية عن الناشط الحقوقي في مجال الإعاقة، إبراهيم عبدالله، قوله إن الهجمات أدت إلى انضمام ما يُقدر بين 15,000 و17,000 شخص إلى قائمة المعاقين بصريًا في لبنان، مع تسجيل رسمي لما لا يقل عن 8,000 منهم.
وفي حديثه لصحيفة "الأخبار" اللبنانية، أضاف الأخير أن هذا الارتفاع المفاجئ في حالات الإعاقة البصرية جعل لبنان من بين الدول ذات أعلى معدلات العمى للفرد في العالم، بعد أن كانت نسبة المكفوفين حوالي 0.6% من المجتمع وفق دراسة نُشرت في المجلة البريطانية لطب العيون عام 1997.
أنواع الإصابات
ومن بين الدراسات المتعلقة بالإصابات البصرية، تناولت مجلة Injury عام 2025 دراسة بعنوان: "إصابات العين بعد انفجار البيجر في لبنان: شكل جديد من الحرب الحديثة"، ركزت على تشخيص الحالات التي وصلت إلى المستشفيات، وشملت 38 مريضًا استقبلهم مستشفى Hôtel-Dieu de France في بيروت.
وأظهرت الدراسة أن معظم المرضى كانوا من الذكور، ومتوسط أعمارهم حوالي 33 عامًا. كما أصيب أكثر من نصفهم في كلتا العينين، وكان فقدان الرؤية الكامل أو الجزئي شائعًا عند الوصول إلى المستشفى.
وسُجلت عدة إصابات خطيرة في مقلة العين، بما في ذلك تمزق الجفن، إصابات سطح العين، كسور في جدار الحجاج، ونزيف داخل العين، ما استدعى تدخلات جراحية عاجلة في العديد من الحالات.
ولاحظت الدراسة أيضًا مضاعفات ما بعد العلاج، مثل التهاب داخل العين، ضمور العين، وإعتام عدسة جديد، بينما بقيت حدة البصر مستقرة في حوالي 60% من العيون وتدهورت في 40% منها.
Today