سوريا: حمص تنفي فصل الجنسين في المدارس.. وتغيرات بالمناهج تُفاقم التخوفات مع بداية العام الدراسي

نفت مديرية التربية والتعليم في محافظة حمص بشكل قاطع ما تردد من أخبار خلال الأيام الأولى من العام الدراسي 2024-2025 حول اتخاذ قرار بإنشاء فصول منفصلة بين الذكور والإناث في مدارس الحلقة الأولى (الأساسية الدنيا).
وأكدت المديرية، ف منشور لها على فيس بوك، أن "أي خبر يتداول حول فصل الجنسين داخل الصفوف أو إحداث شعب ذكورية وإناثية لا أساس له من الصحة"، مشددة على أنه "لم يُصدر عن الوزارة أو أي جهة رسمية تابعة للتربية في المحافظة أي تعميم أو قرار بهذا الشأن".
ودعت المديرية وسائل الإعلام والمواطنين إلى "توخي الدقة والحذر عند تداول المعلومات المتعلقة بالعملية التعليمية"، مؤكدة أهمية "الاعتماد فقط على المصادر الرسمية لتفادي نشر البلبلة وسوء الفهم في الأوساط التربوية والمجتمعية".
تعليمات غير رسمية أم تنظيم داخلي؟
على الرغم من النفي الرسمي، كشفت مديرة مدرسة حكومية في مدينة حمص، طلبت عدم الكشف عن اسمها ليورونيوز، أن بعض المدارس تلقت توجيهات عبر مجموعات واتساب تتعلق بـ"تنظيم الجلوس داخل الصفوف"، حيث تم ترتيب الطلاب الذكور أبجدياً في صفوف متخصصة، تليها إناث بأسمائهن الأبجدية في صفوف أخرى، على أن تُشكل الفصول المتبقية من الطلاب الذين لم يكتمل عددهم بعد.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة "لم تُعلن كسياسة رسمية"، لكن التطبيق الميداني أعطى انطباعاً عملياً بوجود فصل جزئي بين الجنسين، سواء عبر توزيع داخلي على الفصول أو عبر تقسيم الحصص أثناء الاستراحات.
بالتواصل مع عدد من الأهالي في منطقة حمص، أكد العديد منهم أن المدارس بدأت عملياً بفصل الطلاب الذكور عن الطالبات في أول يومين من العام الدراسي ليعاد لاحقاً العودة إلى ماكان معهوداً سابقاً.
نفي من باقي المحافظات
في المقابل، تواصلت يورونيوز مع عدد من المدارس في محافظات دمشق، واللاذقية، وطرطوس، أكد جميع المسؤولين التربويين الذين تم التواصل معهم عدم صدور أي قرار رسمي من وزارة التربية أو المديريات المحلية يقضي بفصل الطلاب بناءً على الجنس.
وأوضح مدراء مدارس في هذه المناطق أن الهيكل التنظيمي للمؤسسات التعليمية ظل كما هو دون تغيير، وأن جميع الفصول لا تزال مختلطة وفق النظام المعتمد سابقاً.
ورأى بعض المدرسين في دمشق أن ما تم تعميمه في حمص يبدو كـ"جس نبض" لقياس مدى تقبل الشارع السوري لفكرة الفصل بين الجنسين في التعليم الأساسي، قبل التقدم بخطوة رسمية.
وقال المدرس سليمان-اسم مسعتار-: "إذا لم تُواجه هذه الخطوات برفض واضح، فقد تتحول من توجيهات شفهية إلى سياسة رسمية في المستقبل القريب".
نظام الدوامين لتخفيف الضغط السكاني
وأرجعت مصادر تربوية في حمص سبب التغيرات التنظيمية داخل المدارس إلى "الضغط الكبير على البنية التحتية التعليمية"، نتيجة عودة أعداد كبيرة من المهجرين إلى أحيائهم الأصلية، ما أدى إلى اكتظاظ الصفوف.
وأضافت أن العديد من المدارس اضطرت إلى تطبيق نظام الدوامين: صباحي ومسائي، بهدف استيعاب العدد المتزايد من المسجلين، دون الحاجة إلى بناء مدارس جديدة أو نقل الطلاب إلى أماكن بعيدة.
عدم توحيد المناهج.. وتباين في المحتوى التعليمي
في سياق متصل، لا تزال حالة من التباين قائمة على مستوى المناهج الدراسية في مختلف المناطق السورية، مع غياب قرار مركزي واضح بشأن المحتوى التعليمي الموحّد بعد التغيرات السياسية والجغرافية التي شهدتها البلاد.
وفي دمشق، أفادت معلمة تعمل في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي بأن التعديلات الحالية في الجدول الدراسي اقتصرت على زيادة عدد الحصص الأسبوعية لمادة الرياضيات لتصل إلى 5 حصص بدلاً من 4 في المرحلة الإعدادية، و7 حصص بدلاً من 6 في الثانوية.
في المقابل، تم تخفيض عدد الحصص المخصصة للغتين الأجنبية: الفرنسية والروسية، فيما تم زيادة حصص مادة الدين لتصل إلى 4 ساعات أسبوعياً، وفق تعميم شفهي، مع العودة إلى تدريس منهج 2014، بدعوى أن المنهاج المدرس يتضمن أحاديث "غير دقيقة أو موثوقة". وتم اختصار مادتي الموسيقا والتربية الفنية بساعة اسبوعياً.
كما تم حذف عدد من القصائد الشعرية في كتاب اللغة العربية، ومن بينها أعمال للشاعر السوري سليمان العيسى، بالإضافة إلى إزالة فقرات من مادة التربية الاجتماعية تتضمن تمجيداً للنظام السابق أو استخدام رموز قومية سابقة، بما فيها العلم السوري الذي كان سارياً قبل سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024.
تعدد المناهج في ظل التجزئة الجغرافية
وتواجه العملية التعليمية في سوريا اليوم واقعاً معقداً، إذ لا يوجد منهج دراسي واحد موحد على الصعيد الوطني. فبينما تواصل مناطق سيطرة الحكومة السابقة تطبيق مناهج معدلة، تُطبّق مناطق أخرى، مثل إدلب، مناهج خاصة بها، بينما تعمل إدارة "قسد" على فرض مناهج جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمال شرق البلاد.
وأعربت مديرة تربوية في ريف دمشق ليورونيوز، عن "قلق كبير اذا ما تم تدريس مناهج غير معروفة المصدر أو غير مدروسة"، مشيرة إلى أن بعض المواد الواردة من الشمال السوري تحتاج إلى "تدقيق علمي وتعليمي دقيق قبل اعتمادها من قبل مختصين".
السويداء: تعثر بدء العام الدراسي
وفي محافظة السويداء، لا تزال بعض المدارس مغلقة، وسط حالة من عدم الاستقرار العام. وأكد سكان محليون أن عددًا من المؤسسات التعليمية فتحت أبوابها، بينما بقيت أخرى متوقفة دون إعلان رسمي عن الجدول الزمني أو آلية استكمال العام الدراسيرنظراً للحالة التي تعيشها المدينة.
وأوضح الأهالي أن قسماً كبيراً من طلاب الصف الثالث الثانوي، الذين يؤدون امتحان البكالوريا، لم يتمكنوا من استكمال اختباراتهم بسبب الأحداث الأمنية التي شهدتها المحافظة في 13 يوليو الماضي، دون معرفة مصير هؤلاء الطلاب أو مواعيد إعادة الامتحانات.
التريث في اتخاذ القرارات الحاسمة
في المقابل، أكدت مصادر تربوية في دمشق ليورونيوز أن "المرحلة الحالية تشهد تركيزاً على الجانب التنظيمي واللوجستي"، مشيرة إلى أن "الغالبية العظمى من القرارات المتعلقة بالمناهج أو الهيكلية التعليمية لم تُتخذ بعد"، نظراً للازدحام الكبير في التسجيل وضرورة ضبط العملية التربوية في أول أيام العودة إلى المدارس.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن العام الدراسي الجديد يستمر تحت وطأة التحديات اللوجستية والسياسية والتنظيمية، في وقت تسعى فيه الجهات التعليمية إلى تحقيق التوازن بين الواقع الميداني والمتغيرات الجيوسياسية المحيطة.
وقال والد أحد الطلاب في دمشق، ويدعى أحمد (اسم مستعار خوفاً من الملاحقة الأمنية)، ليورونيوز: "نحن حتى الآن نعيش حالة من الارتباك جراء القرارات المتضاربة التي تصلنا بشكل شفهي، دون وثائق رسمية أو تعميمات واضحة. لا نفهم لماذا يتم التعامل مع أمور تربوية بالغة الأهمية عبر رسائل واتساب أو إشارات غير مكتوبة".
وأضاف: "نخشى أن تكون هذه الخطوات جزءاً من مسار لتعميق مناهج تعليمية تُكرّس فكراً دينياً متطرفاً، خصوصاً مع انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل تدعو صراحة إلى زيادة حصص مادة الدين وفرض قراءة دينية ضيقة في المدارس".
وأكد أحمد أن "الدين يُتعلم في المسجد، أما المدرسة فهي مكان للتربية والتثقيف والتنوّر"، داعياً إلى "احترام تنوع المجتمع السوري من حيث الطوائف والأعراق، واعتماد منهج وسطي يعزز التسامح والانتماء الوطني بدلاً من التفرقة".
وشدد على أهمية إعادة النظر في هيكل المواد الدراسية، قائلاً: "لماذا تم اختصار المواد الفنية والموسيقية إلى حصة واحدة أسبوعياً؟ التعليم ليس فقط رياضيات ولغات ودين، بل هو أيضاً فن، لعب، إبداع، وتنمية للقدرات العاطفية والاجتماعية. نريد مدارس تُخرّج أطفالاً متوازنين، لا مجرد حافظة لمقررات".
تعديلات تربوية سابقة تثير الجدل
وبعد سقوط نظام بشار الأسد، في شهر كانون الثاني من العام الجاري، أوضح وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الاعمال، نذير القادري، أن المناهج الدراسية على مستوى البلاد لم تُغيّر بشكل جوهري بعد، وأن العمل لا يزال في مرحلة أولية، تمهيداً لتشكيل لجان متخصصة لمراجعة المحتوى التعليمي بالكامل.
وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العربية السورية (سانا)، أكد القادري أن التعديلات الحالية "مؤقتة وجزئية"، وتستهدف "تصحيح معلومات كانت تُدرّس ضمن إطار تضليل أيديولوجي خلال عهد النظام السابق".
وأشار إلى أنه تم بالفعل حذف جميع المواد التي تمجّد شخصيات أو مؤسسات منظومة الحكم السابقة، واستبدال صور العلم السوري بصورة العلم الوطني المستخدم منذ بداية الثورة السورية.
وأضاف الوزير أن التعديلات ركزت بشكل خاص على توحيد المحتوى التفسيري للنصوص القرآنية في مادة التربية الإسلامية، بحيث يتماشى مع كتب التفسير المعتبرة في جميع المراحل التعليمية، مشدداً على ضرورة "تصحيح الشروحات الخاطئة أو غير الدقيقة التي كانت تُقدّم للطلاب".
ردود فعل متباينة على التعديلات
أثار إعلان "سانا" ونشر صفحة وزارة التربية على فيسبوك لنسخة من التعميم المتعلق بالتعديلات ردود فعل واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، تراوحت بين التأييد والانتقاد الحاد.
وشملت التعديلات المقترحة – والتي طبّقت فعلياً في بعض المدارس – تغييرات في المواد الدراسية من الصف الأول حتى الثالث الثانوي، ما دفع عدداً من النشطاء والمتخصصين في الشأن التربوي إلى التشكيك في شرعية هذه الخطوة، معتبرين أن "حكومة تصريف الأعمال لا تملك الصلاحية القانونية لإدخال تعديلات جوهرية على المناهج الوطنية".
وانتشرت صور للتوجيهات الوزارية التي تضمنت ثلاث محطات رئيسية:
- استبدال علم الجمهورية العربية السورية القديم بعلم الثورة (الأحمر والأبيض والأسود مع النجمتين).
- تغيير مصطلح "الاحتلال العثماني" إلى "الحكم العثماني" في جميع النصوص التاريخية.
- حذف مادة "التربية الوطنية" بالكامل من الجدول الدراسي.
جدل حول التوجه الفكري للتعديلات
إلى جانب هذه البنود، أثارت تعديلات أخرى انتقادات واسعة، حيث اعتبرها مراقبون "تميل إلى تغليف التعليم بهوية دينية محددة". ومن أبرز هذه التغييرات:
حذف درس "أصل التطور والحياة" من منهاج الصف الثالث الثانوي، بما في ذلك نظرية داروين للتطور.
إزالة فقرة كاملة تتناول تطور الدماغ البشري من أحد الدروس العلمية.
استبدال عبارات ذات طابع طبيعي أو علماني بمعاني دينية، مثل تبديل "عطاء الطبيعة" بـ"عطاء الله".
تغيير وصف "الصراط المستقيم" من "طريق الخير" إلى "طريق الإسلام".
إعادة تفسير عبارة "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" في سورة الفاتحة، من "الذين انحرفوا عن طريق الخير" إلى "اليهود والنصارى".
تحويل مفهوم "الشجاعة في الدفاع عن تراب الوطن" إلى "الدفاع في سبيل الله".
استبدال "الشهادة في سبيل الوطن" بـ"الشهادة في سبيل الله"، وعبارة "الأخوة الإنسانية" بـ"الأخوة الإسلامية".
وحذفت الوزارة أيضًا أي إشارة إلى أسماء الآلهة في الميثولوجيا القديمة، إضافة إلى فصل كامل عن زنوبيا، ملكة تدمر، وهو ما أثار جدلًا واسعًا نظرًا لمكانتها كرمز وطني وتاريخي في سوريا.
وأُدخلت تغييرات أخرى شملت استبدال كلمة "القانون" بعبارة "الشرع والقانون" في عدد من النصوص، مع تعديلات متعددة في السياق نفسه. كما تم حذف كل الإشارات إلى "ذكرى 6 أيار"، التي كانت تُخلد ضحايا الإعدامات التي نفذها جمال باشا السفاح خلال فترة الحكم العثماني.
Today