لقاء بوتين والشرع.. هل يرسم ملامح مرحلة جديدة في المشهد السوري؟

زار الرئيس السوري للمرحلة الإنتقالية أحمد الشرع موسكو يوم الأربعاء لإجراء محادثات وُصفت بالمهمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء اعتبره مراقبون للشأن السوري مفاجئاً وغير متوقع، نظراً إلى تاريخ العداء بين الطرفين خلال سنوات الحرب السورية.
من العداء إلى الانفتاح السياسي
وفق تحليل نشرته صحيفة جيروزاليم بوست"، شكّل هذا اللقاء نقطة تحول لافتة في السياسة الروسية تجاه دمشق. فموسكو كانت الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد طوال سنوات النزاع، كما صنّفت "هيئة تحرير الشام" التي تزعمها الشرع في إدلب تنظيماً إرهابياً. إلا أن المؤشرات، بحسب التقرير، تدل على أن روسيا بدأت منذ سنوات بمد قنوات تواصل غير معلنة مع أطراف معارضة، تحسّباً لأي تغيير في المشهد السوري.
منذ تدخلها العسكري عام 2015، دعمت روسيا الأسد في مواجهة الفصائل المسلحة. وفي الوقت ذاته، سعت موسكو إلى تأمين قواعدها في سوريا والحفاظ على موقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
تحولات التحالفات الإقليمية
مع مرور الوقت، نسّقت روسيا مع إيران وتركيا لإدارة الصراع في سوريا. فإيران دعمت نظام الأسد بشكل مباشر، بينما عملت تركيا تدريجياً على تقويض الفصائل المعارضة التي كانت ترعاها، ووجهتها لمعارك ضد القوات الكردية في شمال البلاد عامي 2018 و2019. واتفق الثلاثي - موسكو وطهران وأنقرة - على استبعاد الولايات المتحدة من "مسار أستانا" التفاوضي الذي بدأ عام 2016.
بحلول عام 2024، بدا نظام الأسد راسخاً في السلطة. لكن اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله من سبتمبر إلى نوفمبر 2024 أضعف الحليف الإيراني للأسد. وفي نهاية نوفمبر، شنّت "هيئة تحرير الشام" هجوماً واسعاً في شمال غرب سوريا، ما أدى إلى سقوط النظام في 8 ديسمبر، ولجوء بشار الأسد إلى موسكو، بحسب التقرير.
ويشير التقرير إلى أن روسيا اختارت عدم التدخل لإنقاذه، ممهّدة الطريق للتعامل مع القيادة الجديدة.
أهداف موسكو من الانفتاح على الشرع
بحسب التقرير، تريد موسكو الحفاظ على قواعدها العسكرية في شمال غرب سوريا، وتأمين استمرار نفوذها من خلال علاقات استراتيجية مع النظام الجديد في دمشق. وفي المقابل، تقدم روسيا مساعدات في مجال الطاقة وتسهيل العلاقات مع دول حليفة لها. كما تسعى موسكو إلى الظهور كوسيط مستقر قادر على التكيف مع التحولات في المشهد السوري.
مضمون اللقاء في الكرملين
ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن اللقاء بين بوتين والشرع تناول العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين. وقال الشرع في مستهل الاجتماع إن "سوريا تدخل مرحلة جديدة تسعى فيها إلى إعادة بناء علاقاتها السياسية والاستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها روسيا الاتحادية".
وأكد الشرع على "الروابط التاريخية العميقة" بين البلدين، مشيراً إلى أن سوريا تعتمد على الخبرة الروسية في قطاعات حيوية، وملتزمة بالاتفاقات السابقة مع موسكو مع إعادة صياغة طبيعة هذه العلاقات بما يضمن استقلال سوريا وسيادتها.
من جانبه، قال بوتين إن العلاقات الروسية - السورية تعود إلى أكثر من 80 عاماً، مشيداً بالانتخابات الأخيرة في سوريا معتبراً أنها "إنجاز ساهم في توحيد المجتمع السوري رغم الظروف الحساسة". كما أشار إلى اللجنة الحكومية المشتركة بين البلدين التي أُنشئت عام 1993 واستأنفت نشاطها أخيراً.
وفد سوري رفيع ومؤشرات سياسية
رافق الشرع في زيارته إلى موسكو وفد رفيع ضم وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ووزير الدفاع اللواء مرحف أبو قسرة، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة حسين السلامة، والأمين العام للرئاسة ماهر الشرع. وتعد هذه الزيارة الأولى للشرع إلى روسيا منذ توليه السلطة، وجاءت بعد زيارة وزير الخارجية إلى موسكو في يوليو الماضي، تلتها زيارة وفد روسي رفيع إلى دمشق في سبتمبر.
قراءة في التحول الروسي
يشير تقرير "جيروزاليم بوست" إلى أن انفتاح موسكو على الشرع لم يكن مفاجئاً بالكامل، بل هو ثمرة اتصالات مبكرة، ورغبة روسية في ضمان نفوذها بعد سقوط الأسد. كما يعكس إدراكاً براغماتياً لدى الطرفين بأن التحالفات يمكن أن تتبدل في لحظات مفصلية.
ويستحضر التقرير أمثلة تاريخية على تحوّل الخصومات إلى تحالفات، مثل زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين، وتبدلات التحالفات الأوروبية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والحملة الروسية على باريس ضد نابوليون، ثم تحالف روسيا وفرنسا بعد مئة عام في الحرب ضد ألمانيا.
ويخلص التقرير إلى أن موسكو تدرك جيداً أن موازين القوى في الشرق الأوسط تتغير بسرعة، وأن التعامل مع الشرع يعكس استراتيجيتها للبقاء لاعباً محورياً في سوريا، مهما تغيّرت الوجوه في دمشق.
Today