بعد تجميد نشاط جمعيات حقوقية في تونس.. هل يشهد المجتمع المدني موجة قيود جديدة؟
أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، مساء الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بيانًا أدانت فيه قرار السلطات بتجميد نشاط جمعية صحفيي "نواة" واعتبرته "استهدافًا مباشرًا لحرية الصحافة"، مؤكدة رفضها لأي "توظيف للإجراءات الإدارية والأمنية لتكميم الأفواه وإخضاع المجتمع المدني".
وأوضحت النقابة أن هذا القرار، الذي يفرض تعليق نشاط "نواة" لمدة شهر، "يمثّل "تصعيدًا خطيرًا في سياسة ضرب حرية التنظيم واستهداف الإعلام المستقل"، معتبرة أن تغليف القرارات السياسية بغطاء إداري وقانوني "سلوك متكرر في التجارب السلطوية، ثبت فشله في كتم صوت المجتمعات وتقويض الثقة بين السلطة والمواطنين".
تجميد الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
قبل أيام، أعلنت السلطات التونسية أيضًا تجميد نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لمدة شهر، وهي جمعية نسوية تأسست قبل 36 عامًا وتعتبر من أبرز الهيئات الحقوقية في البلاد. وتقدم الجمعية سنويًا أكثر من 800 مساعدة للنساء ضحايا العنف عبر مراكز الإنصات والتوجيه النفسي والمرافقة القانونية.
ووُصف القرار بأنه "تصعيدي وتعسفي"، مستندًا بحسب السلطات إلى ما اعتُبر مخالفات لفصول من المرسوم عدد 88، رغم تقديم الجمعية جميع الوثائق المطلوبة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتؤكد الجمعية التزامها التام بالقانون، وعدم تلقي أي تمويل من الدولة، مع التأكيد على أن المرسوم ينظم عمل الجمعيات ضمن إطار احترام مبادئ دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان.
"موجة قلق"
يأتي قرارا تجميد "نواة" و"النساء الديمقراطيات" في سياق سلسلة إجراءات استهدفت عددًا من الجمعيات الأخرى، مثل قرار تعليق أنشطة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مدة شهر، وسط موجة من القلق بين ناشطي المجتمع المدني من "تصاعد التضييق على الحريات".
ويعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن هذه القرارات "تندرج ضمن مشروع شامل للسلطة لإلغاء الأجسام الوسيطة وإنهاء فاعلية أي كيان مستقل أو معارض، وتحويل النقاش العام بعيدًا عن القضايا الجوهرية مثل احتجاجات قابس البيئية في جنوب تونس والتحركات الشعبية الأخرى".
كما أعربت عدة منظمات حقوقية دولية، مثل الشبكة الأورومتوسطية للحقوق والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عن تضامنها الكامل مع الجمعيات المستهدفة، معتبرة أن القرارات "إجراءات تعسفية تستهدف المجتمع المدني وتهدد حق التنظيم والعمل الحقوقي".
اتهامات بالتمويل الأجنبي
يتهم الرئيس قيس سعيد منظمات المجتمع المدني بتلقي تمويلات أجنبية واستخدامها كواجهات استخبارية، فيما تؤكد الجمعيات أن تمويلاتها قانونية وتخضع للرقابة الحكومية.
وقد أجرَت السلطات تحقيقات حول تمويل بعض الجمعيات، ما أدى إلى حل 47 جمعية وتجميد أرصدة 36 أخرى من أصل 25,238 جمعية مسجلة حتى سبتمبر/أيلول 2025.
وفي سياق متصل، أكد بوبكر بالثابت، عميد المحامين التونسيين، رفضه لقرار تجميد نشاط الجمعيات الحقوقية، مشددًا على أن القانون التونسي يخول للجمعيات الحصول على تمويل أجنبي، وأن أي تعديل أو إشكال يجب أن يتم عبر المجلس التشريعي مع احترام عمل الجمعيات وفعاليات المجتمع المدني.
وتأتي هذه الإجراءات منذ إقرار الرئيس قيس سعيّد ما أسماها بـ"الإجراءات الاستثنائية" في يوليو 2021، بعد تعليق أعمال البرلمان ثم حله وإقالة رئيس الحكومة، وهو ما اعتبرته المعارضة التونسية "انقلابًا على الديمقراطية".
Today