من قلب غزة.. قصة آخر ملجأ لإنقاذ الحيوانات من الجوع والموت
في قطاع غزة الذي دمّرته الحرب، لا تزال خيمة بسيطة تؤدي دور الملاذ الأخير لعشرات الحيوانات الجريحة والجائعة، في مشهد إنساني يسلّط الضوء على جانب من المأساة المستمرة.
ووفق تقرير لشبكة NBC News، يواصل ملجأ سلالة لإنقاذ الحيوانات عمله في ظروف شديدة القسوة، متحدّياً المخاطر ونقص الإمكانيات، فيما يواجه العاملون فيه الظروف نفسها التي يعيشها سكان القطاع.
يقول سعيد العار، مؤسس الملجأ منذ عام 2006، في حديث لـ NBC News: "لا يمكنك أن تنظر إلى مخلوق يثق بك وتأكل أمامه دون أن تشاركه الطعام".
رغم القصف المتواصل، وغياب الأدوات البيطرية والأعلاف والأدوية، واصل الملجأ عمله طوال عامين من الصراع، مقدّماً الرعاية لكلاب وقطط وحمير وخيول تعرّضت للإصابة أو الجوع أو فقدت أصحابها بسبب الحرب.
في موقع الملجأ بمدينة دير البلح، تظهر كلاب فقدت أطرافها وهي تتحرك بصعوبة، في صورة تختصر حجم الخسائر التي خلّفها النزاع.
وداخل خيمة كبيرة، يعمل أطباء بيطريون ومتطوعون جنباً إلى جنب لإنقاذ حياة حيوانات جريحة أو حتى تعاني من الجوع.
أطباء بلا أدوات… والارتجال بدل العلاج
الدكتور حسام مرتجى، أحد قلة من الأطباء البيطريين الذين ما زالوا يعملون في غزة، يجد نفسه مضطراً إلى الارتجال الطبي بشكل يومي، مستخدماً أدوية منتهية الصلاحية أو أدوية مخصصة للبشر، مثل الأموكسيسيلين، في ظل نفاد المستلزمات البيطرية.
ويقول مرتجى لـ NBC News: "الحيوانات تعاني كما يعاني البشر، تشعر بالخوف، وأحياناً بالتشنجات".
ويؤوي الملجأ حالياً نحو 70 كلباً و50 قطة، معظمها مصاب أو تُرك دون مأوى بعد نزوح أصحابها، وخلال أشد فترات الحصار ونقص المساعدات، اضطر الفريق إلى تقاسم الأرز والمعكرونة والتونة المعلبة مع الحيوانات، في محاولة لمنعها من الموت جوعاً.
تدمير شبه كامل للثروة الحيوانية
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، شهدت غزة انهياراً غير مسبوق في أعداد الحيوانات. ووفقاً لتقارير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، دُمّر نحو 97% من الثروة الحيوانية في القطاع بفعل القصف والجوع والنهب، بما يشمل الأبقار والأغنام والماعز والدواجن.
أما الحيوانات الكبيرة، مثل الحمير والخيول، فقد تراجعت أعدادها إلى نحو 30% فقط من مستوياتها السابقة، في مؤشر واضح على حجم الكارثة البيئية والاقتصادية التي خلّفتها الحرب.
لم تكن الحيوانات الأليفة بمنأى عن المأساة؛ فقد تُركت أعداد هائلة من الكلاب والقطط بعد فرار العائلات، ما أدى إلى انتشار سوء التغذية وأمراض خطيرة مثل فيروس بارفو، وفقر الدم، والتهابات الجهاز التنفسي.
وتشير التقارير البيطرية إلى حالات "هزال شديد" نتيجة ضعف المناعة، الأمر الذي فاقم تفشي أمراض الجهاز الهضمي واليرقان وأمراض العيون، وهي حالات يتعامل معها فريق ملجأ سلالة بشكل يومي.
ويقول سعيد العار:"الناس يبحثون عن العزاء في الحيوانات. خلال الحرب شاهدت كثيرين يعتنون بالقطط والكلاب ويؤوونها، وكانوا يتواصلون معنا دائماً للحصول على الطعام".
العمل تحت الخطر وفقدان الكوادر
يعمل فريق سلالة في ظروف بالغة الخطورة مع استمرار العمليات العسكرية، ورغم أن حدة المجاعة في مدينة غزة تراجعت نسبياً منذ بدء وقف إطلاق النار في أكتوبر، بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، إلا أن الوضع لا يزال هشاً، مع بقاء القطاع بأكمله مهدداً بخطر المجاعة.
وخلال هذه الظروف، فقد الملجأ أحد أبرز كوادره، الطبيب البيطري معاذ طلعت أبو ركبة، الذي قُتل في أكتوبر أثناء سريان وقف إطلاق النار، أثناء تفقده أنقاض منزله في جباليا قرب "الخط الأصفر"، وفق ما أوردته NBC News. وقال الجيش الإسرائيلي إنه غير مطّلع على تفاصيل الحادثة.
وتقول أنيليس كويليرس، المتطوعة عن بُعد والناطقة باسم الملجأ: "كان شخصاً لا يمكن تعويضه. خسارته موجعة بكل المقاييس".
تضامن عالمي وقلق دائم
حظيت صفحة ملجأ سلالة على "إنستغرام" بمتابعة واسعة تجاوزت 180 ألف متابع، معظمهم من دول غربية، يترقبون باستمرار أخبار الفريق والحيوانات التي يتم إنقاذها.
وتقول كويليرس، التي تتطوع من بلجيكا، لـ NBC News إنها تشعر بقلق دائم على سلامة الفريق، مضيفة: طسعيد وأطفاله خاطروا بحياتهم مراراً لإنقاذ حيوانات تُركت خلفها أثناء الإخلاءات وكانت تموت جوعاً".
مأساة إنسانية مستمرة… ومعاناة مضاعفة للحيوانات
ورغم وقف إطلاق النار الهش، لا تزال المعاناة الإنسانية في غزة بالغة القسوة، ما يضاعف من مأساة الحيوانات، فقد حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن الاحتياجات الإنسانية لا تزال هائلة، وأن المساعدات الحالية لا تغطي سوى الحد الأدنى من متطلبات البقاء.
كما حذّرت اليونيسف من أن أي استئناف للقتال قد ينسف المكاسب المحدودة التي تحققت، مؤكدة الحاجة إلى وصول إنساني مستدام وخدمات أساسية وسلام دائم.
ورغم كل المخاطر، يواصل سعيد العار وفريقه مهمتهم الإنسانية، متمسكين بإنقاذ الحيوانات في واحدة من أقسى البيئات في العالم.
ويختصر العار المشهد قائلاً: "هم يعيشون في الخوف والرعب… تماماً كما نعيش نحن".
Today