الجفاف يشتد في إيران: طهران تلجأ إلى التقنين وسط تراجع خطير في مخزون المياه
أعلنت السلطات الإيرانية، السبت، أنها تعتزم تقنين المياه في العاصمة طهران بهدف "مواجهة الهدر"، وقال وزير الطاقة عباس علي عبادي للتلفزيون الرسمي إنه "بسبب أعمال صيانة أنابيب المياه المتقادمة، قد نُضطر إلى خفض ضغط المياه إلى الصفر في بعض الليالي".
وتشهد إيران، التي يبلغ عدد سكانها نحو 80 مليون نسمة، أزمة جفاف غير مسبوقة منذ ستين عامًا، حيث انحسرت المياه في جميع أنحاء البلاد، وبدأت الثلوج في قمم الجبال بالاختفاء، فيما وصل هطول الأمطار إلى أدنى مستوياته.
فمنذ بداية السنة المائية في سبتمبر/ أيلول، سجلت البلاد ما يزيد قليلًا عن 2 ملم من الأمطار — أي أقل بنسبة 75% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي — بينما لم تشهد 21 محافظة أي أمطار على الإطلاق.
وقد وصلت خزانات المياه التي تزود طهران إلى أقل من 5% من سعتها، مع تحذيرات المسؤولين من نفاذ مياه العاصمة في أقل من أسبوعين.
حرب المناخ
وفي غضون ذلك، زعم بعض الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي أن الدول المجاورة “تسرق” سحب الأمطار لديهم. وقد سبق للسلطات أن أطلقت مزاعم مماثلة، متهمة تركيا والإمارات والسعودية بتحويل السحب بعيدًا عن إيران إلى سمائها، وفق مجلة "فوربس".
وفي الأشهر الأخيرة، ذهب مسؤول رسمي إلى حد اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بالتلاعب المتعمد بالطقس لإحداث الجفاف، وهو ما بات يُعرف بـ"حرب المناخ"، حيث تصبح الأمطار سلاحًا للتأثير على الدول المعادية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد حاول في أغسطس الماضي، استغلال أزمة نقص المياه في إيران، فوجّه رسالة مصورة باللغة الإنجليزية إلى الإيرانيين تحدّث فيها عن الوضع المائي في البلاد.
وقال نتنياهو: "فرض علينا قادتكم حرباً استمرت 12 يوماً وتلقوا هزيمة ساحقة. إنهم دائماً يكذبون ونادراً ما يقولون الحقيقة". كما دعا الإيرانيين إلى "التحلي بالجرأة والشجاعة، والجرأة على الحلم”، وحثّهم على "الخروج إلى الشوارع لطلب العدالة والمساءلة". ووعد بأن "إسرائيل، الدولة الأولى عالمياً في إعادة تدوير المياه، سترسل خبراءها إلى إيران بمجرد تحريرها".
ما أسباب الجفاف؟
رغم ذلك، رفضت منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية الإدعاءات بشأن تفتيت السحب وكذلك العلماء الذين أكدوا أن “سرقة السحب والثلوج” أمر مستحيل، وعزوا ما يحدث إلى مجموعة عوامل، منها سنوات متتالية من الجفاف أضعفت أنظمة الطقس، وإزالة الغابات، وجفاف الأراضي الرطبة، بالإضافة إلى تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
إلى ذلك، حمّل تقرير لمجلة "فوربس" السلطات مسؤولية ما وصفه بسوء الإدارة، حيث يُستخرج أكثر من 90% من المياه للزراعة، بالإضافة إلى آلاف الآبار غير القانونية التي تستنزف احتياطيات المياه الجوفية.
وأشار التقرير إلى أن المسطحات المائية الشهيرة مثل أراضي "هور العظيم" الرطبة في خوزستان وبحيرة أورميا بين أذربيجان الغربية والشرقية قد تقلصت بشكل كبير، مما أدى إلى تصاعد العواصف الرملية والغبارية التي ترسل آلاف الأشخاص سنويًا إلى المستشفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي وتضر سبل عيشهم.
الاستمطار
ولمواجهة الأزمة، لجأت السلطات الإيرانية إلى تقنية تلقيح السحب، وهي طريقة لتعديل الطقس تعتمد على نشر جزيئات مثل يوديد الفضة في السحب القائمة، لتتجمع حولها قطرات الماء، مما يزيد احتمالية هطول الأمطار.
لكن لكي تنجح هذه التقنية، يجب أن تحتوي السحب بالفعل على ما لا يقل عن 50% من الرطوبة، وهو شرط نادر في المناخ الجاف للشرق الأوسط.
وتُستخدم تقنية التلقيح السحابي في العديد من دول العالم، فقد لجأت الصين إليها أثناء أولمبياد بكين 2008 للتحكم في الطقس، وأحيانًا تستخدمها الهند للحد من تلوث الهواء.
وفي الشهر الماضي، حاولت حكومة نيودلهي تقليل الضباب الدخاني الكثيف باستخدام الأمطار الاصطناعية، لكنها فشلت جزئيًا لأن السحب لم تحتوي على الرطوبة الكافية لإجراء العملية.
ومنذ عام 2010، تعتمد الإمارات هذه التقنية، التي باتت تُعرف بـ"الاستمطار"، وقادت عدة مبادرات لتطويرها، آخرها تركز على دور الذكاء الاصطناعي في تحسينها.
أما في إيران، فقد أعلنت وزارة الطاقة عن بدء عمليات التلقيح السحابي هذا الخريف باستخدام الطائرات والطائرات المسيرة، مستهدفة أولًا مناطق حول نهر زاينده رود في وسط البلاد، ثم توسعت إلى مناطق أخرى بحاجة للأمطار.