قبل 20 عاماً انسحبت إسرائيل من غزة.. هل تعود إلى القطاع بقرار من نتنياهو؟

رغم عدم وجود إعلان رسمي من بنيامين نتنياهو أو حكومته، إلا أن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مصدر في مكتبه قوله، الإثنين: "تم اتخاذ القرار.. سنحتل قطاع غزة".
وتمضي حكومة نتنياهو قدما في الحل العسكري في ظل إصرار اليمين المتطرف على تحقيق "النصر المطلق" والضغط بقوة لإجبار حركة حماس على تقديم تنازلات في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
لم يعلن نتنياهو نيته احتلال غزة بشكل واضح لكنه كرّر مراراً قوله إنه يريد القضاء على حماس دون تقديم أي خطط معلنة بشأن السيطرة على القطاع أو إنهاء الحرب والانسحاب منه.
السيطرة الكاملة واعتراض رئيس الأركان
كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن "نتنياهو يميل إلى توسيع هجوم غزة والاستيلاء على القطاع بأكمله". من جهتها، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: "إذا كان احتلال قطاع غزة لا يناسب رئيس الأركان (إيال زمير) فليقدم استقالته". وأضاف المسؤولون: "ستكون هناك عمليات أيضا في المناطق التي يوجد فيها رهائن".
وعلق منتدى عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة على هذه الأنباء بالقول إن الحكومة الإسرائيلية تعمدت إحباط أي صفقة لإنقاذ الرهائن وسعت لتضليل الجمهور، رغم إمكانية إعادتهم. وذكر المنتدى في بيان: "كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق شامل لإعادة الرهائن، وهو أمر ثابت لا لبس فيه".
أما رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زمير فقد أصدر قراراً بتقليص حجم القوات النظامية، في وقت تتصاعد فيه دعوات سياسية لاحتلال قطاع غزة، فيما وصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الثلاثاء، القرار بأنه رفض ضمني لضغوط وزراء اليمين المتطرف بالحكومة الإسرائيلية.
ولم يرد الجيش رسمياً على تقارير أفادت بأن شخصيات مقربة من نتنياهو اقترحت إمكانية إقالة رئيس الأركان إذا عارض الخطط الحكومية الداعية إلى احتلال قطاع غزة.
2005: الانسحاب والاعتراض
عام 2003، فجّر نتنياهو الخلاف مع أرييل شارون إثر اعتراضه على خطة الأخير للانسحاب من غزة ومستوطنات بالضفة الغربية، وهو ما أدى لاحقاً إلى تسلمه زعامة حزب الليكود خلفاً لشارون.
تنصّ خطة شارون التي عرفت باسم "خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية" على مرحلتين تتلخص الأولى في إخلاء قطاع غزة من المستوطنات وإبقاء سمائها وبحرها خاضعين للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، في حين يجرى خلال المرحلة الثانية ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة إلى إسرائيل، وإحاطة بقية المناطق بجدار فصل بعد اقتطاع جزء من غور الأردن، مع ترك ما تبقى -وهو عبارة عن تجمعات سكانية غير متصلة ببعضها- للفلسطينيين.
وقد نفذت إسرائيل المرحلتين بين أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول من عام 2005.
انفجر الخلاف بين الرجلين مع الشروع في المرحلة الأولى من خطة الانفصال، حيث أشار نتنياهو بعد استقالته من الحكومة عندما كان وزيراً للمالية، إلى أن شارون يعطي للفلسطينيين دون مقابل وأن غزة ستتحول بعد الانسحاب الإسرائيلي إلى "قاعدة لحماس وحزب الله والقاعدة".
أخلت إسرائيل حينها 21 مستوطنة أبرزها نتساريم وكفار داروم وموراغ وأجلت معها نحو 8 آلاف مستوطن كانوا يعيشون فيها بشكل معزول عن باقي القطاع بشكل يشبه أسلوب عزل مستوطنات الضفة عن باقي المناطق الفلسطينية.
كانت هذه المستوطنات تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا.
خرج آلاف الفلسطينيين في ذلك الوقت ابتهاجًا، بعد 38 عامًا من احتلال القطاع الساحلي الصغير، بدأ مع هزيمة يونيو/ حزيران 1967.
ورغم انحساب إسرائيل إلا أنها أبقت سيطرتها على المعابر الحدودية بشكل مباشر وغير مباشر وكذلك على الحدود البحرية للقطاع.
خاضت الدولة العبرية منذ انسحابها عدة حروب مع قطاع غزة كان في معظمها نتنياهو رئيساً للوزراء، وهي حروب 2008، 2012، 2014، 2021 وآخرها حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي لا تزال مستمرة.
خطة لم تأت من فراغ
لا يغرّد نتنياهو وحيداً في إعلان مصادر نيته السيطرة على القطاع وعودة أحلامه القديمة لاحتلال غزة والتي بددها انسحاب شارون منه، فهو بذلك يجاري اليمين المتطرف الذي يمسك معه بالحكومة ويمنحه الأغلبية في الكنيست التي ستبقى معه حتى موعد انتخابات 2026 في حال لم تسقط الحكومة لأي سبب من الأسباب.
ورغم الحديث المستمر في الأوساط الدولية عن الوصول لوقف إطلاق النار، يبقى نتنياهو قادراً على إقناع المتطرفين في حكومته منذ نحو عام و10 أشهر على عدم الاستقالة وتمرير ما يطلبونه بين فترة وأخرى، إذ يعرف رئيس الوزراء كيفية معالجة طلبات اليمين ضد الفلسطينيين.
ويجلس نتنياهو على طاولة الحكومة مع الوزيرين اليمينيين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش.
دعا الوزيران مراراً لعدم دخول المساعدات والاحتلال الكامل لقطاع غزة باعتباره جزءاً من إسرائيل، وقد أدت تصريحاتهما إلى فرض عقوبات عليهما. إذ أقرت كندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج وهولندا عقوبات عليهما كما منعت سلوفينيا دخولهما إلى أراضيها بسبب تصريحاتهما "غير الإنسانية".
آخر تعليقات بن غفير على قضية احتلال غزة كانت صباح الثلاثاء حيث أشار إلى أنه "على رئيس الأركان أن يوضح بجلاء أنه سيمتثل كليا لأوامر المستوى السياسي حتى لو تقرر احتلال قطاع غزة".
قبل نحو أسبوعين، أدلى سموتريتش بتصريحات مثيرة للجدل أعلن فيها أن قطاع غزة "سيصبح جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل". وأشاد وزير المالية الإسرائيلي بـ"فرصة هائلة" لإعادة بناء المستوطنات في القطاع. وأيد سموتريتش "الضم الأمني" لشمال قطاع غزة.
أحلام قديمة
في كتابه الصادر عام 1993 بعنوان "مكان بين الأمم"، استعرض نتنياهو أيديولجيته بشأن التعامل مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
فعندما وصل إلى السؤال المحرج حول ما يجب فعله بالسكان العرب الذين سيظلون تحت السيطرة الإسرائيلية إذا احتفظت إسرائيل بالضفة الغربية وغزة، يعترف نتنياهو بوجود مشكلة، لكنه يقول إنها ستُحل من خلال الهجرة اليهودية الجماعية، مما يسمح للفلسطينيين بالعيش كأجانب تحت الحكم الإسرائيلي، وربما يصبحون مواطنين بعد فترة طويلة من حسن السلوك.
كلام نتنياهو عززته خطته خلال العامين الأخيرين لإخراج الفلسطينيين من غزة وتقليل عدد سكانه، رغم تصريحه مرّات عدة لوسائل الإعلام إن الخروج من القطاع يجب أن يكون طواعية وليس بالإكراه. خططٌ أثارت الجدل عندما تبناها أيضاَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو الخبير في مجال الاستثمار والعقارات حين أطلق لخياله العنان وأعلن نيته لتحويل غزة إلى منتجع "ريفييرا" ضخم على ساحل البحر المتوسط.
أهداف نتنياهو الواضحة
لا يبدو أن نتنياهو يعير اهتماماً في الداخل الإسرائيلي ولكل الضجة الخارجية والضغط الدولي لوقف الحرب في غزة والذهاب نحو خيار حل الدولتين الذي يرفضه تماماً ويعتبره مكافأة للإرهاب.
فقد كان من أبرز معارضي الرئيس الإسرائيلي السابق الذي اغتيل بعد دخوله في مسار المفاوضات مع الفلسطينيين.
ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1995، أطلق اليميني إيجال عامير ثلاث رصاصات اخترقت ظهر رابين، أثناء خروجه من مهرجان لدعم السلام، في إحدى الساحات بتل أبيب وسط إسرائيل.
وفي عام 2018، نشرت القناة الثانية الإسرائيلية (أصبحت لاحقاً القناة 12) نتائج استطلاع كشف أن 30 بالمئة من الإسرائيليين مقتنعون أن نتنياهو ساهم في تحريض اليهود المتطرفين على قتل رابين.
ورغم مرور 30 عاماً على اغتيال رابين و20 عاماً على انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، يبدو نتنياهو أكثر من أي وقت مضى متمسكاً بأيديولوجيته التي أوصلته وأوصلت معه اليمين إلى الحكم في إسرائيل، وإلى خوض بلاده أطول حرب في تاريخها، واضعاً أمام ناظريه أهدافاً واضحاً: نعم لاحتلال غزة، لا لدولة فلسطينية.
Today