إخلاء بالقوة في السومرية: تهديدات واعتقالات تدفع الآلاف للهروب من بيوتهم وسط عجز حكومي

تحت وقع التهديدات المسلحة والاعتقالات التعسفية، أجبر فصيل مسلح موالي للحكومة السورية، يقوده ما يُعرف بـ"الشيخ أبو حذيفة"، سكان حي السومرية شمال غرب دمشق، على إخلاء منازلهم قسراً، في تصعيد أمني أثار موجة نزوح جماعي وسط غياب تام للرد الرسمي الفاعل.
وأجبر السكان، البالغ عددهم نحو 6000 شخص، معظمهم من أبناء الطائفة العلوية، على مغادرة الحي منذ يوم الأربعاء 27 أغسطس، في رحلة نزوح مجهولة الوجهة، تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم، بعد دخول عناصر الفصيل إلى الحي مسلحين بالبنادق والسيوف، وفق شهادات رصدها المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأكد سامر، اسم مستعار خوفاً من الملاحقة الأمنية، ليورونيوز: أن "العناصر اقتحموا الحي وطالبوا الأهالي بإخلائه فوراً، بحجة تنفيذ "تعليمات من أمانة رئاسة الجمهورية"، واعتقلوا عدداً من السكان لاستخدامهم كوسيلة ضغط على ذويهم للانصياع".
وأضاف، ورغم تدخل الحكومة لاحقاً وإصدارها تطمينات عبر وسائل الإعلام بضرورة البقاء، عاد الفصيل مجدداً ووجّه تهديدات مباشرة، ما أشعل موجة هجرة قسرية جديدة.
في السياق، أفاد علي، أحد السكان الذين غادروا الحي ليورونيوز، أنه خرج مع عائلته فور دخول العناصر "خوفاً على أولادي"، متجهاً إلى طرطوس بحثاً عن سكن، بعد أن منعوه من إخراج كل ممتلكاتهم. وقال: "سمعتُ أن القصة انتهت وعادت الأمور لطبيعتها، ففكرت بالعودة، لكن جاري اتصل بي ليلاً ويقول: لا ترجع، الفصيل دخل من جديد، وحدد لنا مهلة للخروج".
وأضافت نور، إحدى السكان اللواتي فررن من الحي ليورونيوز، أن عناصر الفصيل، وهم يرتدون زيّ الأمن العام ويحملون شعاراته، "شبحوا في الشوارع ورعبوا السكان، وأغلقوا المحال ومنعوا الخروج".
وأشارت إلى أن العناصر اقتحموا المنازل بأسلوب "همجي"، وفتشوها دون إذن، ثم كتبوا إشارات على الجدران (حرف "X" و"O") دون توضيح معناها، قبل أن يُعلن عن "مهلة 24 ساعة للإخلاء".
وأكدت نور وقوع انتهاكات داخل المنازل، بما في ذلك اقتحام بيوت لا يوجد فيها رجال، والاعتداء على النساء وضربهن وصادرتهن هواتفهن المحمولة.
ولفتت إلى أن بعض العائلات حاولت استئجار سيارات لنقل ممتلكاتها، لكن العناصر منعوها، ثم عادوا وأمروا السكان بإخراج أثاثهم إلى الشارع، بحجة أن "الصحافة ستدخل للتصوير"، فسألهم أحد الأهالي: "هل هذا تأكيد أننا سنبقى، أم أنكم تطلبون منا نزول الأثاث فقط لالتقاط الصور، حتى لا نتكبد تكاليف أجرة السيارة مجددًا؟". ومع ذلك، اضطروا إلى إخراج محتويات منازلهم رغم شكوكهم، في مشهد يعكس حالة التخبط والضغط الذي يعيشه السكان بين الإخلاء والعودة، والوعود التي لا تُترجم إلى أمن حقيقي.
في المقابل، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان صادر يوم السبت 30 أغسطس، أن "أبو حذيفة"، قائد فصيل المعضمية، رفض التوجيهات الرسمية الصادرة عن السلطات السورية، وواصل الضغط على السكان لإخلاء منازلهم، محدداً مهلة تنتهي مساء اليوم نفسه، ورافقاً ذلك بـ"شتائم مسيئة" بحق رئيس سوريا للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، بعد محاولة الأهالي تبليغه بتعليمات الحكومة.
وبحسب مصادر المرصد من دمشق، جرى توجيه مختار حي السومرية، بالتنسيق مع لجان السلم الأهلي وشخصية علوية بارزة مقربة من القصر الرئاسي، لإصدار تسجيل مصوّر على وسائل التواصل يؤكد أن "الحي آمن بالكامل" وأن "الأوضاع عادت إلى طبيعتها"، في خطوة تُعيد إلى الأذهان أساليب النظام السابقة في إدارة الأزمات الإعلامية.
وأشارت المصادر إلى أن السلطات أبلغت المختار وأهالي الحي بضرورة البقاء أو العودة، مشددة على أن "المشكلة تم حلها بالكامل" عبر تدخل لجنة الحي بالتعاون مع اللجنة العليا للسلم الأهلي وعدد من الوزارات. لكنها لفتت إلى أن عناصر الفصيل داخل الحي "لم يبدوا أي التزام بالتوجيهات الحكومية"، ما يطرح تساؤلات حول فاعلية هذه الإجراءات، وسط استمرار حالة التوتر والخوف بين السكان.
من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن "قلقها البالغ" إزاء التطورات في السومرية، لا سيما التقارير عن "تهديدات بالإخلاء القسري" و"انتهاكات ضد مدنيين أبرياء، بينهم نساء وأطفال". ودعت في بيان إلى "ضبط النفس" و"الامتناع عن أي إجراءات عنيفة أو متسرعة"، مؤكدة أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، "يتبع التطورات عن كثب".
وطالب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي، بضرورة "معالجة القضايا المعقدة المتعلقة بالإسكان والأراضي والممتلكات، والعدالة الانتقالية، بعناية"، مع إعطاء الأولوية القصوى لـ"حماية المدنيين وفق سيادة القانون والمعايير الدولية".
Today