تصويت مجلس الأمن بشأن الصحراء الغربية.. انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية وانتصار للمغرب؟
شهد ملف الصحراء الغربية تحوّلا دبلوماسياً في الموقف الدولي تجاهه، إذ أظهرت الدول الكبرى والأمم المتحدة توجهاً متزايداً لدعم مقترح المغرب لمنح الإقليم حكماً ذاتياً تحت سيادته، بوصفه "حلاً سياسياً واقعياً للنزاع الممتد منذ خمسين عاماً".
وأقرّ مجلس الأمن الدولي قراراً اعتبر أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يمثل "الأساس الأكثر جدية للتسوية"، متزامنا بذلك، مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، التي شهدت في 1975 مشاركة نحو 350 ألف مدني مغربي في مسيرة سلمية من مدينة أكادير نحو الجزء الجنوبي من الصحراء، الذي كان لا يزال تحت السيطرة الإسبانية، في خطوة رمزية لتأكيد السيادة المغربية على المنطقة.
ودعا المجلس، في قراره الصادر يوم الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول، جميع الأطراف إلى الانخراط في مفاوضات بناء على خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب لأول مرة إلى الأمم المتحدة عام 2007. وأوضح القرار، الذي أُقرّ بـ11 صوتاً مؤيداً دون أي معارضة، أن هذه الخطة "قد تمثل الحل الأكثر واقعية" للنزاع، ويمكن أن تشكل "الأساس" لمفاوضات مستقبلية لإنهاء النزاع المستمر منذ خمسة عقود.
"حان وقت المغرب الموحد"
كان الموقف الدولي قد شهد دعماً واضحاً من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، إلى جانب الأمم المتحدة، لمقترح الحكم الذاتي، معتبرين أنه الخيار الأكثر جدية لإنهاء التوتر المستمر على أرض الصحراء الغربية، والذي استمر رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف عام 1991.
وفي خطاب ألقاه بعد التصويت، أكد ملك المغرب محمد السادس أن المملكة دخلت مرحلة فاصلة في تاريخها الحديث، مضيفاً: "حان وقت المغرب الموحد".
وشدد الملك على أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب إلى الأمم المتحدة عام 2007 تمثل "الحل الواقعي والقابل للتطبيق" للنزاع، مع الحرص على إيجاد صيغة تحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
ودعا الملك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى "حوار أخوي صادق لتجاوز الخلافات وبناء علاقات جديدة تقوم على الاستقرار"، مؤكداً التزام المغرب بالعمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أساس الاحترام المتبادل والتعاون والتكامل بين الدول.
الجزائر تتمسك بـ"مبادئ تصفية الاستعمار"
غابت الجزائر، التي تشغل عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي، عن المشاركة في جلسة التصويت مساء الجمعة على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة بشأن الصحراء المغربية.
وبعد التصويت، أكد الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة في نيويورك، عمار بن جامع، أن بلاده اختارت عدم المشاركة "حرصاً على النأي بنفسها بكل مسؤولية عن نص لا يعكس بشكل كاف المبادئ الأممية المتعلقة بعملية تصفية الاستعمار".
وأضاف بن جامع أن مبدأ تصفية الاستعمار يشكل أحد الأسس الجوهرية لميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن تطبيق هذا المبدأ سمح لعدد كبير من الدول بأن تشارك في عضوية المنظمة وتمثيل شعوبها على الصعيد الدولي.
موقف البوليساريو: نرفض أي مقترحات تُشرعن الاحتلال
من جانبها، أصدرت جبهة البوليساريو بياناً أكدت فيه أن قرار مجلس الأمن رقم 2797 (2025)، الذي مدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) حتى 31 أكتوبر 2026. وأوضحت الجبهة أنها لن تكون طرفاً في أي مفاوضات تهدف إلى "إضفاء الشرعية على الاحتلال المغربي"، مؤكدة أن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والسيادة على وطنه "حق غير قابل للتصرف أو المساومة".
وحذرت البوليساريو من محاولات بعض القوى الداعمة للمغرب للضغط نحو تغيير مقاربة مجلس الأمن بما يخدم موقف المغرب التوسعي، معتبرة أن أي انحراف عن المبادئ الأممية "سيقوّض عملية السلام ويهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها".
"الجرح النازف" الذي أعاق حلم المغرب العربي الموحد
يُعد نزاع الصحراء الغربية من أطول النزاعات في المنطقة المغاربية، إذ كانت المنطقة مستعمرة إسبانية لفترة طويلة قبل انسحاب مدريد منها عام 1976.
وفي تصريحات سابقة، وصف المختص في الشؤون المغاربية نزار مقني ليورونيوز ملف الصحراء الغربية بـ"الجرح النازف الذي لا يلتئم ولا يترك ينزف بسلام"، إذ عرقل الملف على مدى عقود حلم إقامة اتحاد مغاربي موحد قادر على تقوية التكامل السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وأسهم النزاع المستمر بين المغرب والجزائر، والمتمثل في الخلاف حول "سيادة الإقليم وحق تقرير المصير"، في تحويل العلاقات بين الجارين إلى خصومة استراتيجية ممتدة، أعاقت أي تحرك فعلي نحو بناء تكتل مغاربي.
هل طوت الدبلوماسية الجزائرية صفحة نفوذها الإقليمي؟
يرى مراقبون، أن ما جرى في مجلس الأمن يمكن اعتباره محطة فارقة في مسار النزاع حول الصحراء الغربية، إذ يُنظر إلى التصويت الأخير باعتباره "انتكاسة واضحة للدبلوماسية الجزائرية"، التي أنفقت على مدى عقود طويلة جهودًا سياسية ومادية لدعم جبهة البوليساريو وتثبيت أطروحتها الانفصالية في المحافل الدولية.
فالجزائر، التي استضافت منذ سبعينيات القرن الماضي اللاجئين الصحراويين في مخيمات تندوف جنوب غرب البلاد، كانت تراهن على خيار الاستفتاء لتقرير المصير كحلّ وحيد للنزاع. غير أن الموقف الدولي، الذي بات يميل بشكل متزايد نحو مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بدا وكأنه يسحب البساط من تحت الدبلوماسية الجزائرية.
في المقابل، يُنظر إلى التطورات الأخيرة كانتصار معنوي وسياسي للمغرب، الذي نجح خلال السنوات الماضية في توسيع دائرة الدعم الدولي لمبادرته. فالتأييد الذي حصل عليه مقترح الحكم الذاتي داخل مجلس الأمن يؤكد صعود موقف الرباط على الصعيد الدولي، ويدعم سردية "المغرب الموحد" التي كرّسها الملك محمد السادس في خطاباته.
فهل يشكّل القرار الدولي خطوة حاسمة نحو إنهاء نزاع الصحراء الغربية الممتد منذ خمسين عاماً؟
Today