القضاء الإسرائيلي يجمّد قرار حكومة نتنياهو بعزل المدعية العامة

في تصعيد جديد للصراع بين السلطتين القضائية والتنفيذية في إسرائيل، أصدرت المحكمة العليا، يوم الاثنين، أمرًا قضائيًا بوقف تنفيذ قرار الحكومة القاضي بعزل المستشارة القانونية للحكومة غالي باهراف-ميارا، وذلك بعد أن وافق مجلس الوزراء بالإجماع على اقتراح وزير العدل ياريف ليفين بعزلها من منصبها.
وقالت المحكمة، وفق ما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن "أي تعديل في وضع المستشارة القانونية سيُجمّد إلى حين صدور قرار نهائي"، مشددة على أن الحكومة لا يمكنها تعيين بديل عنها في الوقت الراهن. كما منحت المحكمة كلًّا من الحكومة ومكتب المستشارة مهلة حتى يوم الخميس لتقديم ردودهم، على أن تُعقد جلسة استماع خلال 30 يومًا، أو قبل 4 سبتمبر كحد أقصى.
صراع سياسي - قضائي محتدم
وكان نائب رئيس المحكمة العليا القاضي نوآم سوهلبيرغ قد أكّد في قرار سابق، صدر في يوليو الماضي، أن أي إجراء لعزل المستشارة لا يُعدّ قانونيًا إلا بعد خضوعه لمراجعة قضائية كاملة.
ورغم أن قرار العزل لم يدخل حيز التنفيذ، أعلن وزراء في الحكومة أنهم لن يوجّهوا بعد الآن دعوات إلى باهراف-ميارا لحضور جلسات الحكومة أو اللجان الوزارية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها سابقة خطيرة تهدد الفصل بين السلطات.
وقال وزير العدل ياريف ليفين، خلال اجتماع الحكومة الذي خُصص لمناقشة إقالتها، إن "الحكومة بلغت الخط الأحمر" في تعاملها مع باهراف-ميارا، مشيرًا إلى أن "القرار جاء بعد عملية طويلة وشاقة من المحاولات الفاشلة للتعاون معها".
كما نفى ليفين بشدة أن يكون القرار مرتبطًا بمحاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واصفًا هذه الادعاءات بأنها "تلميحات خطيرة للغاية". ويُشار إلى أن المستشارة القانونية تتولى دور المدعية العامة في محاكمة نتنياهو بتهم الفساد، مما أثار جدلًا واسعًا بشأن تضارب المصالح المحتمل في قرار عزلها.
معركة قضائية مرتقبة وضغوط شعبية متصاعدة
وفي أعقاب قرار العزل، أعلنت حركة جودة الحكم في إسرائيل أنها تقدّمت بعريضة عاجلة إلى المحكمة العليا، تحمل توقيع أكثر من 15 ألف شخص، احتجاجًا على القرار، الذي وصفته بـ"غير القانوني والمشوب بتضارب المصالح"، خصوصًا مع تورط رئيس الوزراء في قضايا جنائية.
وقالت الحركة، في بيان رسمي، إن "الحكومة ستُواجهنا في المحكمة"، مشيدة بقرار المحكمة العليا تجميد العزل، لكنها انتقدت "تأخر صدور القرار"، مؤكدة أن "هذا الإجراء غير الدستوري ما كان يجب أن يُسمح له أصلًا".
وشهدت مدن إسرائيلية، على رأسها تل أبيب، موجة احتجاجات واسعة يومي الأحد والاثنين، دعماً للمستشارة باهراف-ميارا، ورفضًا لما وصفه المتظاهرون بـ"الانقلاب على استقلالية القضاء".
وقاد أعضاء الكنيست من حزب الديمقراطيين احتجاجات يوم الاثنين خارج مقر الحكومة، حيث اتهم رئيس الحزب يائير غولان الحكومة بـ"الانشغال بعزل المستشارة بينما لا تزال عشرات العائلات تنتظر إطلاق سراح أبنائها من غزة، والحرب ما زالت مستعرة".
وقال غولان في كلمته: "في هذا الوقت الحرج، الحكومة لا تبحث عن الأمن أو الاقتصاد أو الصحة... بل تُركّز فقط على نفسها".
خلاف دستوري على الإجراءات وآلية التعيين
قبيل جلسة التصويت، أرسلت باهراف-ميارا رسالة رسمية إلى الحكومة، أكدت فيها أن الطريقة التي تم بها التعامل مع عزلها "غير قانونية ومغرضة سياسيًا"، كما رفضت حضور الاجتماع، ما أثار انتقادات حادة من ليفين الذي وصف تصرفها بأنه "عدم احترام للسلطة التنفيذية".
وتعود الإجراءات القانونية الخاصة بتعيين أو عزل المستشار القانوني للحكومة إلى عام 2000، بناءً على توصيات لجنة شمغار، وتنصّ على تشكيل لجنة مستقلة مكونة من: قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا، ووزير عدل أو مستشار قانوني سابق، إضافة إلى عضو كنيست، ومحامٍ من نقابة المحامين، وأكاديمي قانوني من عمداء كليات الحقوق.
لكن الحكومة فشلت في تشكيل اللجنة بالشكل القانوني، وبررت ذلك في بيان صدر الشهر الماضي، صاغه الوزير ليفين ووزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية أميخاي شيكلي (الليكود)، بأن "جميع الشخصيات المطلوبة رفضت المشاركة بسبب اعتراضها على القرار"، ما دفع الحكومة إلى تشكيل لجنة بديلة من طرفها.
باهراف-ميارا: “تم إسقاط آخر الحواجز أمام هيمنة الحكومة”
وفي رسالة سبقت جلسة التصويت، حذّرت باهراف-ميارا من خطورة القرار، وقالت: "ما يحدث اليوم هو إزالة لأحد آخر الضوابط المتبقية على سلطة الحكومة في النظام القانوني الإسرائيلي".
Today