"ضربة للجهود".. الحكومة السورية تدين مؤتمر قسد حول اللامركزية: لن نشارك في اجتماعات باريس

أعلن مصدر مسؤول في الحكومة السورية المؤقته أن مؤتمر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) الأخير، والذي دعا إلى إقامة نظام لا مركزي في البلاد، شكّل "ضربة موجعة للجهود التفاوضية الجارية"، مؤكداً أن دمشق "لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في باريس"، (في إشارة إلى اللقاء المرتقب بين القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي ووزير الخارجية أسعد الشيباني).
وأوضح المصدر وفق ما نقلت عنه وكالة "سانا" أن الحكومة "لن تجلس على طاولة التفاوض مع أي طرف يسعى لإحياء عهد النظام البائد تحت أي مسمى أو غطاء".
وكان المؤتمر قد عُقد، أمس الجمعة، في المركز الثقافي بالحسكة، بمشاركة أكثر من 400 شخصية من "الإدارة الذاتية" وقيادات تمثل مكونات دينية وعرقية في شمال وشرق سوريا، بينها ممثلون عن المسيحيين والدروز والعرب والأكراد، في خطوة وُصفت بمحاولة لإظهار التماسك الداخلي وبلورة موقف موحد داعم لنظام حكم لامركزي، قبيل اللقاء المرتقب في باريس.
واعتبر المصدر أن هذا التجمع "يمثل انحرافاً عن المسار الوطني وتعزيزاً لمنطق التقسيم"، داعياً "قسد" إلى "الانخراط الجاد والملموس في تنفيذ اتفاق 10 آذار"، وحاثاً الوسطاء الدوليين على "نقل جميع مفاوضات التسوية إلى دمشق"، باعتبارها "العنوان الشرعي والوطني الوحيد للحوار بين السوريين".
وشدّد المصدر على أن "حق التجمع السلمي والحوار البنّاء مكفول لكل مواطن"، شريطة أن يتم ذلك "ضمن إطار المشروع الوطني الجامع الذي يحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادة"، مضيفاً أن "المجموعات الدينية أو العرقية تتمتع بحق التعبير عن رؤاها وتأسيس أحزابها ضمن الأطر القانونية"، بشرط أن يكون نشاطها سلمياً، وألا تحمل السلاح ضد الدولة، أو تفرض رؤيتها على شكل الدولة.
وأكد أن "شكل الدولة لا يُقرّ عبر مؤتمرات فئوية، بل عبر دستور دائم يُستفتى عليه الشعب"، مشيراً إلى أن "كل مواطن له الحق في طرح رؤيته، لكن ذلك يتم عبر الحوار العام والصناديق، لا عبر القوة أو التهديد".
ووصف المؤتمر بأنه "لا يمثل إطاراً وطنياً جامعاً، بل تحالفاً هشاً يضم أطرافاً متضررة من سقوط النظام، وتيارات تسعى لاحتكار التمثيل بدعم خارجي"، مضيفاً أن "هذا التجمع يُعدّ تهرّباً من استحقاقات وقف إطلاق النار ودمج المؤسسات، ويُشكّل غطاءً لسياسات تغيير ديمغرافي ممنهجة ضد العرب السوريين".
ودانت الحكومة استضافة "شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية" خلال المؤتمر، معتبرةً ذلك "خرقاً سافراً لاتفاق 10 آذار"، وحملت "قسد" وقيادتها "المسؤولية الكاملة عن التداعيات السياسية والقانونية والتاريخية لهذا التصعيد".
في السياق ذاته، أكد مدير إدارة الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية والمغتربين السورية، قتيبة إدلبي، أن "المعيار الحقيقي للوحدة هو الأفعال على الأرض، لا الشعارات"، مضيفاً في تغريدة عبر منصة (X): "لا يستوي الحديث عن الوحدة ورفض التقسيم، بينما تُعقد مؤتمرات على أسس طائفية وعرقية ويُعاد فيها ترويج رموز النظام البائد بعباءات جديدة".
وأوضح إدلبي أن أبواب دمشق ستبقى مفتوحة لكل من أراد حواراً جاداً وعملاً مشتركاً يهدف للوصول بسوريا إلى مستقبل أفضل يليق بكل أبنائها.
في موازاة ذلك، تشهد بروكسل يوم الأحد انعقاد مؤتمر جديد يجمع ممثلين عن مختلف المكونات السورية، في خطوة تأتي بعد يومين فقط من المؤتمر الذي نظمته "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في الحسكة، والمعروف باسم "الموقف الواحد".
ووفق ما نقلت "جريدة النهار اللبنانية" عن مصادر مقرّبة من اللجنة المنظّمة، فإن المؤتمر الجديد لن يقتصر على مكونات شمال شرق سوريا، بل سيضم شخصيات من مختلف الطيف السوري، في مسعى لإرساء ما يُوصف بـ"الحوار الجامع".
وأشارت المصادر إلى أن عنوان المؤتمر لم يُحسم بعد، وتتراوح التسميات المقترحة بين "مبادرة الحوار الوطني السوري الجامع" و"منتدى المكونات السورية من أجل الفيدرالية والديمقراطية"، مشيرة إلى ترجيح اختيار العنوان الثاني لاحتوائه دلالات سياسية أكثر وضوحاً وتحديداً.
ومن المتوقع أن يفضي المؤتمر إلى تأسيس "لجنة تنسيق المكونات السورية"، كإطار مدني مستقل يهدف إلى بناء الثقة، وتعزيز الحوار، وإرساء شراكة وطنية تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية، والعدالة، واحترام التنوع.
وستضم اللجنة ناشطين ومثقفين وشخصيات عامة تمثل فسيفساء المجتمع السوري، من الكرد، والعلويين، والدروز، والسنة المعتدلين، والمسيحيين، والسريان، والآشوريين، والأرمن، والإسماعيليين، والتركمان، والشركس، وآخرين لهم جذور عميقة في التاريخ الوطني والهوية السورية.
وأفادت النهار بأن ورقة عمل بعنوان "مذكرة سياسية تمهيدية" ستُقدّم خلال المؤتمر، تؤكد أن "اللجنة مستقلة بالكامل عن السلطة القائمة في دمشق، ولا تعترف بشرعية أي قوة تفرض سيطرتها بالعنف أو الإقصاء، أو عبر أيديولوجيات دينية متشددة"، ما يُعدّ مؤشراً على تمايز واضح في الموقف تجاه الحكومة السورية المؤقتة.
ويُنظر إلى هذا المؤتمر باعتباره مساراً موازياً يُبنى خارج الإطار الرسمي، في وقت تتسارع فيه التحركات السياسية من قبل أطراف متعددة، كلّ يسعى لفرض معادلته في المشهد الوطني السوري المتأزم.
Today