السفير الأمريكي في إسرائيل يرسم ملامح المنطقة.. ما هي خطط واشنطن وتل أبيب في تركيا وإيران؟
في مقابلة موسّعة مع موقع يديعوت أحرونوت، قدّم السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، قراءة شاملة للواقع السياسي والعسكري الذي يحيط بإسرائيل، مؤكداً أن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تعمل بمستوى "استثنائي من التعاون"، رغم تعدد الجبهات وحساسية الملفات الإقليمية والدولية المطروحة.
المقابلة تناولت ملفات وقف إطلاق النار في غزة، والمفاوضات مع سوريا، والملف النووي الإيراني، والتوتر مع تركيا، ومستقبل المساعدات العسكرية الأميركية، إضافة إلى قضايا داخلية حساسة مثل عنف المستوطنين ومحاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقف إطلاق النار في غزة: "صامد وليس على وشك الانهيار"
خلال المقابلة نفى السفير الأميركي أي مؤشرات على قرب انهيار وقف إطلاق النار القائم على عدة جبهات في غزة، معتبراً أن صموده لأكثر من شهرين يُعد إنجازاً لافتاً في ظل تعقيد الظروف.
وقال هاكابي إن عودة معظم الرهائن وجثث القتلى، باستثناء جثة واحدة، وبدء تنفيذ إطار للاستقرار، يعكسان متانة التفاهمات القائمة، واصفاً إدارة هذا الملف بأنها "مهمة ضخمة" وكان من الطبيعي أن تواجه تحديات، إلا أن مسارها العام أفضل مما كان متوقعاً.
كما نفى هاكابي صحة التقارير التي تحدثت عن قيام الإدارة الأميركية بتوبيخ إسرائيل على خلفية مقتل القيادي البارز في حركة حماس، رائد سعد، مؤكداً أن هذه الروايات "لا تصمد أمام التدقيق".
وتساءل في هذا السياق: "بصفتي السفير الذي أرسله الرئيس إلى إسرائيل، هل من المنطقي أن يحدث أمر بهذا الحجم من دون أن أُبلَّغ به؟"، مضيفاً: "سيكون ذلك إهمالاً فادحاً في واشنطن أن تقع مسألة بهذه الخطورة دون إبلاغ السفير الأميركي".
المرحلة الثانية من التهدئة: مرونة سياسية رغم حساسية ملف الرهائن
وحول الجدل المتعلق بإمكانية بدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار قبل استعادة جثمان ران غفيلي آخر رهينة في غزة، أبدى هاكابي مقاربة مرنة، مؤكداً أن الجهود مستمرة لإعادة الجثمان، لكن العملية السياسية لا يمكن أن تتوقف بالكامل بسبب هذا التعقيد.
وأشار إلى أن هناك مساعي متوازية تسمح بالمضي قدماً في المسار السياسي مع استمرار العمل على استعادة الرفات، معرباً عن أمله في أن تتمكن العائلة من دفن فقيدها بكرامة في أقرب وقت.
ورفض هاكابي التقارير التي تتحدث عن وجود خلافات جوهرية بين واشنطن وتل أبيب بشأن مستقبل غزة، مؤكداً أنه لا يرى أي تصدعات حقيقية في المواقف.
وأوضح أن التواصل اليومي مع كبار المسؤولين في كل من القدس وواشنطن يعكس مستوى عالٍ من التنسيق، مشدداً على أن أي احتكاكات عابرة لا ترقى إلى مستوى أزمة سياسية.
وأضاف أن الفضل في بلورة إطار وقف إطلاق النار يعود مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيراً إلى دعم عربي وأوروبي وإسرائيلي واسع لهذا المسار.
المساعدات العسكرية بعد 2028: "الشراكة مستمرة"
وفي ما يتعلق بمستقبل المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، مع اقتراب انتهاء مذكرة التفاهم الحالية عام 2028، كشف هاكابي أن النقاشات الأولية حول اتفاق جديد قد بدأت بالفعل.
ورغم امتناعه عن الخوض في التفاصيل، عبّر عن ثقته بأن إسرائيل ستكون راضية عن مخرجات الاتفاق المقبل، مؤكداً أن الشراكة العسكرية الأمريكية مع إسرائيل "لا مثيل لها" مقارنة بأي دولة أخرى.
سوريا وإيران: فرص حذرة ورسائل ردع واضحة
بشأن سوريا، قال هاكابي إن هناك تقدماً حقيقياً نحو ترتيبات أمنية، وإن كانت هشة بطبيعتها لكنها تصب في مصلحة البلدين، واعتبر أن مجرد انخراط الطرفين في محادثات مباشرة يُعد تطوراً يستحق التوقف عنده.
أما الملف الإيراني، فأعرب عن أمله في تجنب حرب جديدة، داعياً طهران إلى استخلاص العبر من المواجهات الأخيرة، ومؤكداً أن التحركات الأميركية والإسرائيلية السابقة حملت رسائل ردع واضحة لا تحتمل سوء الفهم.
كما حسم السفير الأميركي خلال المقابلة الجدل الدائر حول احتمال تزويد تركيا بمقاتلات F-35، نافياً ذلك بشكل قاطع، ومشيراً إلى وجود قيود قانونية أميركية تمنع هذه الخطوة بسبب امتلاك أنقرة منظومات عسكرية روسية.
عنف المستوطنين: "إرهاب وجريمة"
وفي موقف لافت، وصف هاكابي عنف المستوطنين في الضفة الغربية بأنه "إرهاب وإجرام"، مؤكداً أن هوية الفاعل لا تبرر الجريمة.
وأشار إلى ما اعتبره تحولاً ملحوظاً في التعامل الإسرائيلي مع هذه الظاهرة، لافتاً إلى تصريحات رسمية قوية وإجراءات ميدانية شملت اعتقالات وإدانات عبر الطيف السياسي الإسرائيلي، وتابع هاكابي: "أرى تغييراً جوهرياً.
وعن تصريحات الرئيس ترامب بشأن محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قال هاكابي إنه لا علم لديه بأي نية لاستخدام أدوات ضغط على إسرائيل، مؤكدًا احترام واشنطن لسيادة إسرائيل ومؤسساتها القضائية.
وأوضح أن حضوره إحدى جلسات المحاكمة جاء تعبيراً عن التضامن، مشبهاً ما يتعرض له نتنياهو بما وصفه بـ"حرب القانون" التي طالت ترامب نفسه في الولايات المتحدة.
معاداة السامية في أميركا: "صاخبة لا واسعة"
وتطرق هاكابي إلى تصاعد مظاهر معاداة السامية في الولايات المتحدة، معتبراً أنها ظاهرة "عالية الصوت لكنها ليست واسعة الانتشار"، دون التقليل من خطورتها.
ووصف معاداة السامية بأنها "مرض غير عقلاني متجذر في الشر"، مشيراً إلى تعيين الرئيس ترامب للحاخام يهودا كابلون مبعوث خاص بدرجة سفير لمكافحة هذه الظاهرة، في خطوة اعتبرها عملية وليست رمزية.
ويختم السفير الأميركي حديثه بتفاؤل لافت، معتبراً أن الشراكة الأميركية–الإسرائيلية مرت بعواصف أقسى وخرجت منها أكثر تماسكاً، مضيفاً: "هناك قصة عظيمة هنا… وهي قصة تستحق أن تُروى".
Today