وثائقي "ردع العدوان" وأحمد الشرع: سرد أحداث معركة أم بناء شرعية سياسية؟
عرضت قناة "الإخبارية" السورية، مساء الأحد 21 كانون الأول، فيلماً وثائقياً بعنوان "ردع العدوان"، تناول المعركة التي أدت إلى إسقاط نظام بشار الأسد، بوصفها محطة مفصلية في المسار السياسي والعسكري للبلاد.
واعتمد الفيلم على شهادات مباشرة من صناع القرار والقادة الميدانيين، مقدّماً سرداً تفصيلياً للحظات التي سبقت المعركة، والظروف السياسية والعسكرية التي أحاطت بها، إضافة إلى تداعياتها اللاحقة.
وتناول العمل النقاشات التي دارت داخل غرف العمليات، حيث تحدث رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع عن طبيعة القرار في تلك المرحلة، فيما وصف وزير الدفاع مرهف أبو قصرة خيار المواجهة بأنه من أكثر القرارات تعقيداً وصعوبة، في ظل المعطيات المتاحة آنذاك.
الوثائقيات وتشكيل السرد العام
يأتي عرض هذا الفيلم ضمن سياق أوسع من الأعمال الوثائقية التي بُثت خلال الأسابيع الأخيرة، والتي تناولت الحدث ذاته من زوايا متعددة، وغالباً جميعها تسوّق لفكرة "تفاصيل لم تُروَ سابقاً"، وتعيد سرد المعركة بلسان المشاركين فيها حصرياً.
هذا التكرار يفتح الباب أمام تساؤل مشروع: هل نحن أمام توثيق وطني، أم حملة إعلامية ممنهجة تهدف إلى تثبيت شرعية السلطة الانتقالية وتلميع صورة أحمد الشرع وإظهاره بصورة بطل المرحلة، في لحظة تعاني فيها البلاد من أزمات خانقة ومتراكمة.
السياق الزمني والسياسي للعرض
يتزامن هذا الحراك الإعلامي مع مرحلة لا تزال سوريا فيها تواجه تحديات أمنية واقتصادية معقدة، رغم مرور عام على تغيير السلطة.
فالوضع الأمني ما زال هشاً في عدد من المناطق، مع استمرار حوادث العنف في مناطق متفرقة، ما يؤثر على الاستقرار المجتمعي ويطرح أسئلة حول قدرة الدولة على بسط سيادتها الكاملة.
وفي الجنوب السوري، ولا سيما محافظة القنيطرة، تشهد المنطقة واقعاً أمنياً حساساً في ظل توغلات إسرائيلية متكررة، ترافقت خلال الشهر الماضي مع زيارة مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى إلى المنطقة وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس.
مسارات سياسية لم تكتمل
على الصعيد السياسي، لا تزال المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، التي ترعاها الولايات المتحدة عبر مبعوثها توم براك، تمر بمرحلة جمود.
وتزامن ذلك مع استمرار النظرة الإسرائيلية الحذرة تجاه الحكومة السورية الحالية، في ظل مخاوف معلنة تتعلق بطبيعة بعض التشكيلات داخل مؤسسات الدولة، لا سيما العسكرية منها.
وفي شرق الفرات، لم يُنفذ اتفاق 10 آذار الموقع بين أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، حتى الآن، مع تسجيل مناوشات متفرقة بين الطرفين على خطوط التماس في مناطق حلب وشرق سوريا، ما يعكس تعقيد المشهد الميداني وصعوبة ترجمة التفاهمات السياسية إلى واقع عملي.
السويداء والساحل
أما في محافظة السويداء فلا تزال الزعامات الروحية وأبناء المحافظة يرفضون الاعتراف بالحكومة الحالية، ويطالبون بحق تقرير المصير، واصفين السلطة في دمشق بأنها "ذات خلفية إرهابية"، وخاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له المحافظة، حيث شنّت قوات حكومية وفصائل عشائرية هجوماً على السويداء أسفر عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين، وردّت إسرائيل بسلسلة غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في مناطق متفرقة من سوريا، بينها مبنى وزارة الدفاع في قلب دمشق.
في الساحل السوري، ذي الغالبية العلوية، ورغم تراجع حدة العنف مقارنة بأحداث السابع من مارس/ آذار، لا تزال عمليات الخطف والقتل قائمة، ما يكشف زيف الروايات الرسمية التي تحدثت عن استقرار كامل، كما أن
الحراك الأخير الذي دعا إليه الشيخ غزال غزال أسقط الكثير من هذه السرديات، مسلطاً الضوء على واقع أمني هش، إلى جانب آلاف المعتقلين دون محاكمات، والفصل التعسفي من الوظائف، ما يثقل كاهل أبناء المنطقة.
وفي منتصف العام الحالي كشف تحقيق أجرته وكالة رويترز تفاصيل مجازر وقعت في الفترة من السابع إلى التاسع من مارس/ آذار 2025 بحق العلويين في منطقة الساحل السوري على البحر المتوسط.
وخلص التحقيق إلى مقتل 1479 سوريا من الطائفة العلوية وفقدان العشرات في 40 موقعاً مختلفاً شهدت عمليات قتل انتقامية وانفلاتاً وأعمال نهب بحق الأقلية الدينية.
المؤسسات الأمنية وإعادة البناء
تطرح بنية المؤسسات الأمنية والعسكرية بدورها علامات استفهام كبرى.
ففي أكثر من مناسبة، تحدثت تقارير وتصريحات حتى على وسائل إعلام رسمية، عن وجود عناصر من تنظيم "داعش" وجماعات متطرفة أخرى ضمن وزارة الدفاع.
وجاء مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني قرب تدمر، في هجوم قالت الداخلية السورية إن من قام به عنصر أمن تابع لتنظيم "داعش"، ليكشف خطورة هذا الاختراق، خاصة بعد أن نقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر أمني أن منفذ الهجوم كان في الأمن العام منذ أكثر من عشرة أشهر.
ورداً على هجوم تدمر شنت القوات الأمريكية ضربات على عشرات الأهداف لتنظيم "داعش" في سوريا، حيث وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها "رد انتقامي قاس جدا" على هجوم مدينة تدمر الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين.
وقال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث في منشور على منصة اكس "بدأت القوات الأمريكية عملية "ضربة عين الصقر" في سوريا للقضاء على مقاتلين وبنى تحتية ومواقع تخزين أسلحة لتنظيم "داعش".
بين الشاشة والواقع.. من يروي القصة الكاملة؟
في ضوء هذا المشهد المعقد، تبدو الوثائقيات المعروضة، ومنها "ردع العدوان"، محاولة لإعادة صياغة الذاكرة الجمعية، ولربما تلميع شخصية الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وحكومته، عبر تسليط الضوء على لحظة ما أسموه بـ الانتصار، وتجاهل الأسئلة الثقيلة التي يفرضها الحاضر.
يبقى السؤال مفتوحاً: هل تُستخدم هذه الأفلام لتكريس سردية بطولية مريحة للسلطة، أم أنها تعتيم على الواقع الحالي بكل تناقضاته؟
Today