حرائق تجتاح أوروبا: دمار واسع وعمليات إخلاء جماعي وسط موجة حر غير مسبوقة

تسبب ارتفاع درجات الحرارة، المصحوب برياح قوية، في تفاقم حرائق الغابات بجنوب أوروبا، الأربعاء، ما أدى إلى تدمير منازل ومزارع ومحال صناعية، وإجبار آلاف السكان والسياح على الإخلاء القسري.
وأُصدرت إنذارات حمراء - تُعد أعلى درجات التأهب - في مناطق متعددة من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال ومنطقة البلقان، تحذر من مخاطر جسيمة على الصحة العامة نتيجة ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة.
في اليونان، تواجه السلطات أكثر من 100 حريق غابات، تنتشر في مناطق مختلفة من البلاد وتغذيها رياح عاتية. امتدت النيران إلى مصنع للأسمنت في مدينة باتراس، شمال شبه جزيرة بيلوبونيز غرب أثينا، ما تسبب في تصاعد سحب كثيفة من الدخان وأدى إلى تعطيل حركة السكك الحديدية في الأطراف. وقد اجتاحت الحرائق بساتين الزيتون والمناطق الغابية المحيطة.
وقال جورجوس كارفانيس، متطوّع من أثينا توجّه إلى باتراس للمساعدة: "كيف يبدو المشهد؟ يبدو كأنه يوم القيامة. اللهم اعنا وانصر هؤلاء الناس".
وأصدرت السلطات اليونانية أوامر بإخلاء بلدة يقطنها نحو 7700 نسمة قرب باتراس، الثلاثاء، تلاها، الأربعاء، تحذيرات جديدة دعت سكان قريتين مجاورتين إلى مغادرة منازلهم فورًا. وفي الجزر اليونانية، أمرت السلطات السكان بالانتقال إلى مناطق آمنة، مع امتداد الحرائق إلى جزيرتي خيوس شرقًا وكيفرالونيا غربًا، وهما وجهتان سياحيتان رئيسيتان.
وأعلنت أثينا، الأربعاء، إرسال مساعدات طارئة إلى ألبانيا المجاورة، وانضمت إلى جهود دولية للتصدي لعشرات الحرائق في منطقة البلقان. ولقى رجل يبلغ من العمر 80 عامًا حتفه في حريق اندلع جنوب العاصمة الألبانية تيرانا.
وفي إسبانيا، لقي متطوّع في الإطفاء حتفه متأثرًا بحروق بالغة، فيما نُقل عدد من الأشخاص إلى المستشفيات. وحذّرت الوكالة الوطنية للأرصاد الجوية (AEMET) من أن معظم أنحاء البلاد تواجه خطرًا "شديدًا" أو "مرتفعًا جدًا" من اندلاع حرائق جديدة. وأوضح مسؤولون محليون أن المتطوّع البالغ من العمر 35 عامًا كان يعمل على إنشاء خطوط عازلة للنيران قرب بلدة نوغاريحاس في إقليم قشتالة وليون، حين حوصر من قبل النيران.
أعرب رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز عن تعازيه في وفاة المتطوّع، في منطقة قشتالة وليون، الأكثر تضررًا شمال مدريد، حيث تم إجلاء آلاف السكان. وعلّق سانشيز، الثلاثاء، على منصة "إكس" قائلًا: "تعمل خدمات الإنقاذ بلا كلل لإطفاء الحرائق"، مضيفًا: "نحن معرّضون بشدة لخطر حرائق الغابات. يُرجى توخي الحذر الشديد".
وواصل عناصر الإطفاء عمليات إخماد النيران ورشّ المنازل والمستودعات المشتعلة في قرى تابعة لقشتالة وليون، حيث تجاوز عدد المُجلَين 5000 شخص.
ووصف زعيم إقليم جاليسيا في الشمال الغربي، ألفونسو رويثا، الوضع في منطقته بأنه "معقّد"، مشيرًا إلى أن الظروف الجوية غير المواتية تعيق جهود السيطرة. وتُسجّل مقاطعة أورينسي في جاليسيا ستة حرائق نشطة، تغطي معًا نحو 10 آلاف هكتار (ما يعادل 38 ميلًا مربعًا).
تحقيق في احتمالات الحرق المتعمد
وأفادت وزيرة البيئة الإسبانية سارة أغيسين، في تصريح لمحطة الراديو "SER"، بأن العديد من الحرائق المنتشرة في أنحاء البلاد يُشتبه في أنها نتجت عن حرق متعمد، نظرًا لطبيعة انتشارها وشدتها. لكنها أشارت إلى أن من السابق لأوانه تحديد العدد الدقيق للحرائق المشتبه بها.
وفي ألبانيا، قال وزير الدفاع بيررو فينجو إن البلاد تمر بـ"أسبوع حرج"، مع اندلاع حرائق غابات واسعة في عدة مناطق. وفي المدينة الجنوبية ديلفينا، عاد النازحون إلى منازلهم، لكن السلطات بقيت في حالة تأهب قصوى، تحسبًا لتغير الوضع.
وعرقلت موجة الحر التي تضرب أجزاء واسعة من القارة الأوروبية جهود إخماد الحرائق. ووصلت إسبانيا إلى اليوم العاشر من موجة الحر، التي بلغت ذروتها الثلاثاء بدرجات حرارة وصلت إلى 45 درجة مئوية (113 فهرنهايت)، وتتوقع الوكالة الجوية استمرارها حتى الإثنين، ما يجعلها واحدة من أطول موجات الحر التي سُجّلت في تاريخ البلاد.
ونقل البابا فرنسيس جلسته العامة الأسبوعية من ساحة القديس بطرس إلى قاعة مغلقة في الفاتيكان، "للوصول إلى مكان مظلل بعيدًا عن الشمس والحر الشديد"، وفق ما أعلنت المتحدثة باسم الفاتيكان. وفي الوقت ذاته، أصدرت وزارة الصحة الإيطالية تحذيرات من ارتفاع حاد في درجات الحرارة في 16 مدينة، مع توقع وصولها إلى 39 درجة مئوية (102 فهرنهايت) في فلورنسا.
من جهتها، تمكّنت السلطات التركية من السيطرة على عدد من الحرائق الكبرى، لا سيما في مناطقي جاناكالي وإزمير، بعد إجلاء المئات من السكان وإغلاق مضيق الدردنيل ومطار كاناكالي.
وفي الجبل الأسود، لقي جندي حتفه وأصيب آخر بجروح بالغة، إثر انقلاب صهريج مياه أثناء مكافحة الحرائق قرب العاصمة بودغوريتشا.
فيما شهدت مناطق في المملكة المتحدة موجة حر شديدة، تُعد رابع موجة حر تسجلها البلاد هذا العام، مع وصول درجات الحرارة إلى 33 درجة مئوية. وصدرت تنبيهات صحية في جميع أنحاء إنجلترا، باللون الكهرماني (تحذير من خطر محتمل) والأصفر (تنبيه متقدم من تأثيرات جوية مع وجوب أخذ الحيطة والحذر).
واندلع حريقان في العاصمة لندن، الثلاثاء، أحدهما في حي إيلينغ والآخر في وانستيد فلاتس، ما أدى إلى تدمير أكثر من 17 فدانًا من الأراضي.
يحذر العلماء باستمرار من أن ظاهرة الاحتباس الحراري تُطيل مواسم حرائق الغابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتجعلها أكثر كثافة وحدة، جراء ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف، في مؤشر واضح على تفاقم الأزمة المناخية.
Today